- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
الرحمة صفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي لا تنفك عنه أبدا، لا في سلم ولا في حرب، ولا في حضر ولا في سفر، وقد سماه ربه رؤوفا رحيما، قال الله تعالى: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }(التوبة: 128) .
قال الشنقيطي عند تفسيره لهذه الآية : " ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النبي الكريم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إلى الخلائق إلا رحمة لهم، لأنه جاءهم بما يسعدهم، وينالون به كل خير من خيري الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى" .
وقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفسه أروع النماذج البشرية، فكان نعم الزوج لزوجه، وخير الناس لأهله وأبنائه، إذ هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة، فكان - صلى الله عليه وسلم - يعامل زوجاته وأولاده بكل سمو خلقي، من محبة ورحمة، وعطاء ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الأسرية في جميع أحوالها وأيامها، كما فاضت بذلك كتب السنة والشمائل والسير عنه - صلى الله عليه وسلم - .
مع الزوجة :
جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حسن معاملة وعشرة الزوجة معيارا من معايير خيرية الرجال، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع زوجاته يكرم ولا يهين، يوجه وينصح، لا يعنف ويجرح، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ) رواه مسلم .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قدم له طعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وما عاب طعاما قط، وكان يخدم نفسه، ويعين أهله ويساعدهم في أمورهم، ويكون في حاجاتهم، كما تقول أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ) .
وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرفق عامة وبالنساء خاصة، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه )، وقال: ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في سفر، وكان غلام يحدو بهن يقال له: أنجشة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( رويدك يا أنجشة، سوقك بالقوارير(النساء) ) رواه البخاري.
قال قتادة : " يعني ضعفة النساء " .
وقال النووي: " ومعناه: الأمر بالرفق بهن .. أي: ارفق في سوقك بالقوارير، قال العلماء: سمى النساء قوارير، لضعف عزائمهن، تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها، وإسراع الانكسار إليها " .
ومن لطفه وحسن عشرته بزوجته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يشرب من موضع شربها، ويثني عليها، ويصرح بحبه لها، ويخرج معها، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كنت أشرب فأناوله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيضع فاه على موضع في, وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع في ) رواه مسلم، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( انك لن تنفق نفقة الا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك ) رواه البخاري .
ويثني على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فيقول ـ : ( إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) رواه مسلم ، ويقول عن خديجة ـ رضي الله عنها ـ: ( إنى رزقت حبها ) رواه مسلم، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان بالليل سار مع عائشة ـ رضي الله عنها ـ يتحدث معها .
لقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى ما تنبغي أن تكون عليه حسن العشرة الزوجية بقوله وفعله، والثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب أحاديث ومواقف كثيرة .
قال ابن كثير: " وكان من أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه .. إلى أن قال: " وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد .. وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد قال الله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }(الأحزاب:21) .
مع الأولاد :
كان - صلى الله عليه وسلم - رحيما بهم إلى درجة لم يسمع بمثلها، قال أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ) رواه مسلم .
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : ( خرج علينا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين ، فتقدم النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو ساجد فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة، قال الناس يا رسول الله: إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا انه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته ) رواه أحمد .
وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الأقرع بن حابس أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل الحسن، فقال: ( إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه من لا يرحم لا يرحم ) رواه مسلم .
وفي العصر الذي كثر فيه وأد (قتل) البنات، جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - برحمتهن والعطف عليهن، ورفع قدرهن، فكان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسر ويفرح لمولد بناته، فقد سر واستبشر ـ صلى الله عليه وسلم - لمولد ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ، وتوسم فيها البركة واليمن، فسماها فاطمة، ولقبها بالزهراء .
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( جاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: مرحبا بابنتي، فأجلسها عن يمينه، أو عن شماله ) رواه مسلم .
وكانت إذا دخلت عليه - صلى الله عليه وسلم - قام إليها، فقبلها، وأجلسها في مجلسه .
وحمل ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمامة بنت ابنته زينب ـ رضي الله عنها ـ على كتفه أثناء الصلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها .. وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدلل زينـب بنت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ، وكانت طفلة في حجر أمها، ويقول لها : ( يا زناب ) .
هذه بعض معالم الرحمة النبوية والمعاملة الأسرية في بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الزوجة والأولاد، وإن الناظر في سيرته وأحاديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليجد أنه كان يقدر الزوجة قدرها، ويوليها عناية فائقة، ومحبة لائقة، وكان مع أولاده أبا حنونا، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي .. فمن أراد أن يحيا حياة طيبة سعيدة، فلينظر كيف كان يتعامل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ داخل أسرته مع زوجاته وأولاده، ويقتدي به، قال الله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }(الأحزاب:21) .