واشهد بأننا مسلمون

0 1385

من الآيات التي اتحد موضوعها واختلف بعض ألفاظها الآيتان التاليتان: 

الأولى: قوله تعالى: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} (آل عمران:52).

الثانية: قوله سبحانه: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} (المائدة:111).

فقد ختمت الآية الأولى بقوله سبحانه: {بأنا مسلمون} فحذفت (النون) من الضمير المنفصل (أنا)، بينما ختمت الآية الثانية بقوله عز وجل: {بأننا مسلمون} فثبتت (النون) هنا، مع أن حذف (النون) تخفيفا، وإثباتها على الأصل جائز في الموضعين، فللسائل أن يسأل عن وجه تخصيص كل من الآيتين بما وردت عليه؟

أجاب العلماء عن هذا السؤال، فقالوا: إن آية المائدة لما ورد فيها التفصيل فيما يجب الإيمان به؛ وذلك قوله سبحانه: {أن آمنوا بي وبرسولي} فجاء على أتم عبارة في المطلوب، وأوفاها، ناسب ذلك ورود (أننا) على أوفى الحالين، وهو الورود على الأصل، وهو إثبات (النون). ولما لم يقع الإفصاح بهذا التفصيل في آية آل عمران حين قال تعالى: {قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله} (آل عمران:52)، فلم يقع هنا و(برسوله)؛ إيجازا للعلم به، وشهادة السياق ناسب هذا الإيجاز الإيجاز، كما ناسب الإتمام في آية المائدة الإتمام، فقيل: {واشهد بأنا مسلمون}، فجاء كل على ما يجب، ولو قدر ورود العكس لما ناسب.

وفصل الإسكافي ما تقدم بقوله: الذي في سورة المائدة جاء على الأصل غير مخفف؛ لأنه أول كلام الحواريين في هذا المعنى، ألا تراه خبرا عن الله تعالى أنه قال: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون}، والذي في سورة آل عمران حكاية عن عيسى عليه السلام أنه سألهم عما أقروا به لله تعالى، فقال: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون}، فكان ذلك منهم إقرارا ثانيا لرسوله عليه السلام بمثل ما أقروا به لله تعالى، والثاني يختار فيه من التخفيف ما لا يختار في الأول؛ لأن الأول قد وفى العبارة حقها، والثانية معتمدة على ما قبلها، وهي مكررة، والعرب تستثقل المكرر ما لا تستثقل غيره، فاختير في سورة آل عمران ما لم يختر في سورة المائدة لذلك.

ثم ها هنا فائدة تتعلق بهذا الباب، وهي أن (النون) التي حذفت من (أنا) غير (النون) التي حذفت من (إنني)، وقد جاء القرآن الكريم بهما جميعا: قال تعالى: {إني آنست نارا} (طه:10)، وقال سبحانه: {إني أنا ربك} (طه:12)، و(إني) أتى على الأصل في قوله سبحانه بعد: {إنني أنا الله} (طه:14). وقال عز وجل: {إنا رادوه إليك} (القصص:7)، وقال تعالى: {وإنا لفاعلون} (يوسف:61)، وقال عز شأنه: {وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} (إبراهيم:9)، كل هذا بحذف (النون)، وقال أيضا: {وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب} (هود:62)، فأثبت (النون).

ولا ينبغي أن يتوهم فيما تقدم أن (النون) التي خففت بحذفها من (إني) هي التي خففت بحذفها من (أنا)؛ لأن التي حذفت من (إني) هي نون تلحق الياء؛ بدلالة حذفها من نظائرها، في قولك: "لعلي"، في "لعلني". أما (النون) التي في (أنا) من قولك: (أننا)، فإنها مع الألف اسم المخبرين عن أنفسهم، ولا تسقط سقوط التي تجيء مع (الياء)، فإذا قلت: (إنا) فـ (النون) الساقطة هي الأخيرة من (أن)، دون اللاحقة مع الضمير بها.

وقد أكد الكرماني هذا بقوله: النون المحذوفة من (إنا) غير النون المحذوفة من (إني)؛ فإن المحذوف من (إنا) أحد نونني (إن)، والمحذوف من (إنني) هو الذي يقع قبل ياء الضمير في ضربني.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة