- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:الإيمان باليوم الآخر
الشفاعة كمصطلح شرعي ورد في النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في سياقات متعددة، ومعان متنوعة، وهو الأمر الذي يجده جليا كل من قام باستقراء هذا المصطلح وتتبع كل ما ورد بشأنه.
ويمكن تقسيم الشفاعة بعدة اعتبارات.
فمن ذلك: تقسيم الشفاعة باعتبار ذاتها ، وهي هنا تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الشفاعة الحسنة، وهي المذكورة في قوله سبحانه وتعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} (النساء: 85)، ويمكن تعريف هذا النوع من الشفاعة ووضعه في إطار محدد بأن نقول: كل شفاعة محمودة شرعا فهي شفاعة حسنة، سواء كان متعلقها أمر دنيوي أم ديني.
والشفاعة في مثل هذه الحالة تتنوع بين الاستحباب والوجوب بحسب الموضوع الذي جاءت لأجله، فقد تكون الشفاعة مستحبة إذا كانت متعلقة بأصحاب الحوائج المباحة، كالشفاعة عند سلطان أو وال في تحصيل منفعة، أو إسقاط تعزير مستحق، أو زيادة في العطاء، أو تسهيل لمطلوب ونحو ذلك.
والترغيب بمثل هذه الشفاعات الحسنة قد دلت عليها النصوص النبوية، فمن ذلك حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة) رواه البخاري، ومنه أيضا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه السائل، أو طلبت إليه حاجة قال: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء) رواه البخاري، وكان من فقه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حينما تولى أمور المسلمين أنه كان يؤخر بعض الأمور المباحة عمدا، حتى يأتيه الشفعاء فيكلمونه فيقبل شفاعتهم، وما ذاك إلا ليعودهم على الشفاعة الحسنة ويربيهم عليها، كما أخبر رضي الله عنه عن ذلك بنفسه في الأثر الذي رواه أبو داود في السنن.
ومن الشفاعات الحسنة: الإعانة على البر والتقوى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " المعين على البر والتقوى من أهل قول الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} (النساء: 85)، والشافع الذي يعين غيره فيصير معه شفعا بعد أن كان وترا؛ ولهذا فسرت الشفاعة الحسنة بإعانة المؤمنين على الجهاد كما ذكر الطبري، وفسرت بشفاعة الإنسان للإنسان ليجتلب له نفعا أو يخلصه من بلاء، كما قال الحسن ومجاهد وقتادة".
القسم الثاني: الشفاعة السيئة، وهي المذكورة في الآية السابقة، في قوله سبحانه وتعالى: {ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} (النساء: 85)، وهي كل شفاعة كانت مذمومة شرعا سواء كانت في الأمور الدينية أم الدنيوية، والمقصود بالكفل السيء المذكور في الآية: أن يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ذكر ابن كثير في تفسيره، والشافع السيء: المعين على الإثم والعدوان.
ومن الشفاعة السيئة: تلك التي يكون فيها تضييع حقوق الناس، وإسقاط الحدود الشرعية؛ ولذلك اشتد نكير النبي –صلى الله عليه وسلم- على شفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه في شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وقال له: (أتشفع في حد من حدود الله؟) كما رواه البخاري في صحيحه.
وننتقل إلى تقسيم الشفاعة باعتبار قبولها أو ردها عند الله سبحانه وتعالى، وهي على هذا الاعتبار على قسمين:
القسم الأول: الشفاعة المنفية، وهي كل شفاعة باطلة، أو كل شفاعة لم يأذن بها الله سبحانه وتعالى لعدم رضاه عن الشافع، أو لعدم استحقاق المشفوع له، ولا شك أن هذا النوع يسلب من الأولياء الذين يتخذ أهل الشرك حق الشفاعة لهم، ويجعل الشفاعة كلها متعلقة بالخالق وحده، قال الله تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون * قل لله الشفاعة جميعا} (الزمر: 43 – 44).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " يراد بذلك نفي الشفاعة التي أثبتها أهل الشرك، ومن شابههم من أهل البدع، من أهل الكتاب والمسلمين، الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه، كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة الشافع لحاجته إليه رغبة ورهبة، كما يعامل المخلوق المخلوق بالمعاوضة".
القسم الثاني: الشفاعة المثبتة: وهي الشفاعة الصحيحة الثابتة شرعا، والتي يأذن الله سبحانه وتعالى فيها بالشفاعة، ويرضى فيها عن الشافع، ويرضى عن المشفوع له، وهي شروط الشفاعة المطلوبة شرعا، والمذكورة في قوله سبحانه: {وكم من ملك في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (النجم:26).
هذه هي أبرز التقاسيم الخاصة بالشفاعة كمصطلح شرعي عقدي، ويمكن أن نضيف إليها تقسيمها إلى شفاعة دنيوية، وهي شفاعات الناس بعضهم لبعض في الدنيا، وشفاعة أخروية، والتي يكون بها النجاة يوم القيامة، جعلنا الله ممن نالها وسعد بها.