- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
ما من سبيل يزيد من ترابط المسلمين ووحدتهم إلا جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحث عليه، ولذلك أمر بالبر والصلة، وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والحب في الله والزيارة فيه، وإجابة الدعوة وتشميت العاطس، وعيادة المريض واتباع الجنائز، وأرشد إلى كثير من الآداب والأخلاق التي من شأنها أن تقوي الروابط وتديم الألفة، وتزيد في المودة والمحبة بين الناس .. وما من طريق يؤدي إلى التفرق والاختلاف، والشحناء والبغضاء، إلا نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه وحذر منه، فنهى عن الغيبة والنميمة، والقذف والبهتان، وسؤ الظن والحسد، والشتم والسباب، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنها أن تسبب الضغائن والخصومات بين أفراد المجتمع .
والإنسان ـ أحيانا ـ يعتريه غضب أو غفلة، فيسيء إلى أخيه بقول أو فعل، فيؤدي ذلك إلى الخصومة والقطيعة بين المسلم وأخيه، وقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك تحذيرا شديدا، فعن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟ افشوا السلام بينكم ) رواه الترمذي .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم .
قال الباجي: " يعني - والله أعلم - أخروا الغفران لهما حتى يصطلحا ".
وعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري .
وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الصلح بين المتخاصمين من أفضل الصدقات، وأفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، لما في الإصلاح بين الناس من النفع المتعدي الذي يكون سببا في وصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان هجروا، وذلك يؤدي إلى وحدة وسلامة المجتمع وقوته، بتآلف أفراده وحبهم وتماسكهم .
عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟!، قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة )، وفي رواية : ( لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين ) رواه الترمذي .
قال الطيبي في عون المعبود: " في الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب الإفساد فيها، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها، نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخاصة نفسه " .
وقال الأوزاعي: " ما خطوة أحب إلى الله ـ عز وجل ـ من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار " .
ومع كونه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أكثر الناس عملا ومسؤوليات، فإن ذلك كله لم يشغله عن أن يسارع في رأب الصدع وعلاج الخلافات بين أفراد مجتمعه، إذ أن إصلاح ذات البين فيه تأليف للقلوب، وتقوية للروابط، ودفع للشحناء، وبه يزول الخلاف، وتذهب الفرقة ..
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ( اذهبوا بنا نصلح بينهم ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " في هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس، وجمع كلمة القبيلة، وحسم مادة القطيعة، وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك " .
وقال ابن بطال: " فيه: ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع والخضوع، والحرص على قطع الخلاف، وحسم دواعي الفرقة عن أمته كما وصفه الله تعالى " .
إن إصلاح ذات البين خصلة جليلة أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها، وحث عليها بقوله وفعله، لما فيها من نشر المحبة والألفة بين الناس، كما أن فساد ذات البين يضر المجتمع بما يسود فيه من الخلافات والخصومات، ومن سعى إليه أخوه بالإصلاح فليقبل منه، وليكن خير الخصمين، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..