ماهية الهوية وكيفية الحفاظ عليها(2-3)

0 946
  • اسم الكاتب:رمضان الغنام (مركز تأصيل)

  • التصنيف:ثقافة و فكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:
تكلمنا في مقال سابق عن مفهوم الهوية ، وعن علاقتها بالقومية ، وتناولنا دور الليبرالية في تمييع الهوية ، ونكمل في هذا المقال ما بدأناه فنقول:

مكونات الهوية الإسلامية:

لكي يصدق على أي هوية لأية جماعة بشرية هذا الاسم لا بد لها من وجود مكونات، أو مقومات تمكنها من البقاء والمنافسة والاستمرارية، وهذه المكونات تتلخص في وجود عقيدة واحدة يؤمن بها أفراد هذا المجتمع، وتاريخ جامع لأيامه وأحواله، وآخر هذه المكونات يتمثل في ثقافة تجمع تحتها لغة أم، وعلوم وفنون، وآداب وعادات وأعراف، والناظر في هويتنا الإسلامية يلحظ بشكل قوي وجود هذه الثلاث، ولمزيد من الإيضاح نفصل القول فيها:

أولا: العقيدة:

ونقصد بها الدين فكرا وشريعة وعقيدة وسلوكا، فـ"الهوية الإسلامية في المقام الأول انتماء للعقيدة، يترجم ظاهرا في مظاهر دالة على الولاء لها، والالتزام بمقتضياتها، فالعقيدة الإسلامية التوحيدية هي أهم الثوابت في هوية المسلم وشخصيته، وهي أشرف وأعلى وأسمى هوية يمكن أن يتصف بها إنسان، فهي انتماء إلى أكمل دين، وأشرف كتاب نزل على أشرف رسول إلى أشرف أمة، بأشرف لغة، بسفارة أشرف الملائكة، في أشرف بقاع الأرض، في أشرف شهور السنة، في أشرف لياليه وهي ليلة القدر، بأشرف شريعة وأقوم هدي" (الهوية أو الهاوية للدكتور محمد إسماعيل المقدم بحث منشور على الإنترنت؛ ص: [3]).

وعليه فالمسلم المقر بوحدانية الله تعالى، وبرسالة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعمل لهذا الدين عن وعي وإدراك وإيمان جاعلا قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [الأنعام:162] دستورا له، وقانونا يسير حياته؛ هو مسلم صاحب هوية قوية ثابتة متجذرة، فقد "اعتبر الإسلام أن الدين هو المكون الأول من مكونات الهوية، وعده مرتكز الولاء والبراء، فهو دثار الهوية الإسلامية وشعارها، وجعل القرآن الكريم لهذا العنصر سمات تصون الأمة عن ما آلت إليه الأمم الأخرى التي وحدها الدين في ظل هوية واحدة؛ ولكنها ما لبثت أن اختلفت، فالدين كل لا يتجزأ، فهو يعنى أن تكون الصلاة والنسك والمحيا والممات لله رب العالمين، وأن من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، ومن الثابت أن الدين عند الله الإسلام، فالشرائع السماوية السابقة التي حرفت ليست من الإسلام في شيء، وجعل الإسلام شعائر الدين الحسية والغيبية، والأصلية والفرعية من مرتكزات الهوية الإسلامية التي تميز الفرد والمجتمع، وهي من عوامل التميز من حيث المصدر والزمان، والمكان والترتيب، والحكمة والثواب، فهي تختلف عن الشرائع السماوية التي حرفت وعن ما ابتدعته المذاهب الفكرية الأرضية، وبناء على ذلك فإن المسلم هو من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، ورضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا" (مقال: الفرق بين الهوية الإسلامية والهويات الأخرى د. جمال محمد الزكى - موقع الجمعية الشرعية).

التاريخ:

إن أمة بلا تاريخ هي أمة بلا مستقبل، وبالتالي فهي أمة بلا هوية، وحقيقة الأمر أنه لا وجود لأي أمة بلا تاريخ، فلكل أمة تاريخ على مستوى الفرد والجماعة، لكن المشكلة ليست في التاريخ إنما فيمن يحفظ هذا التاريخ، ويسجل إضاءاته وانطفاءاته، ويستفيد من مواقفه وعبره ودروسه، كذلك فهناك من الأمم من لا تملك تاريخا مشرفا، فهي تسعى من حين لآخر في ترقيع تاريخها، وتأليف أمجاد لها، بل وتسعى في أحيان أخرى إلى سرقة التاريخ من غيرها.

وعلى مستوى أمتنا فتاريخها شاهد على أنها أمة ذات هوية قوية مشرفة ومؤثرة ذلك لأن تاريخها يختلف عن تاريخ الآخرين، فهي أمة بدايتها مع بداية الخليقة، ويظهر ذلك من خلال رؤيتنا لمنهج القرآن الكريم في عرض الأحداث التاريخية حيث "يثبت أن التاريخ لا يبدأ بالبعثة النبوية في مكة المكرمة؛ ولكنه يعنى تاريخ النبوة المتصل بآدم عليه السلام الذي خلق الله منه زوجه، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، فغرس القرآن الكريم في نفوس المؤمنين أهمية التاريخ، وضرورة الاعتزاز بأحداثه، وما تمخض عنها، وجعلها مصدر تثبيت للأفئدة وذلك من خلال قصص الأنبياء، ونقاط الالتقاء بين الرسالات، والميثاق الغليظ، والإشهاد على الأنفس" (مقال: الفرق بين الهوية الإسلامية والهويات الأخرى د. جمال محمد الزكى - موقع الجمعية الشرعية).

الثقافة:

الثقافة في نسقها الإسلامي تعنى علوم المجتمع وآدابه وقيمه إلى جانب اللغة المعبر بها، وفي هذا الصدد ظهرت مغالطة كبيرة انساق خلفها الكثيرون، وهذه المغالطة تتمثل في اعتبار عدد من الكتاب والمثقفين الهوية الإسلامية جزءا من الهوية الثقافية، بمعنى أن يكون المكون الثقافي شاملا للمكون الديني، وهي مغالطة كبيرة وكارثية في الوقت ذاته، لأنها تعطي إيحاء بأن هوية الأمة قد تخرج عن الهوية الإسلامية، وحقيقة الأمر أن الهوية الثقافية لأمتنا لا ينبغي لها أن تخرج بحال من الأحوال عن الهوية الإسلامية، فهي محكومة لا حاكمة، تسيرها ضوابط الشريعة وتقيسها، فما وافق الشرع قبل، وما خالفه رفض ورد، وهذا المعنى هو جوهر الهوية الإسلامية وغايتها.

واللغة حافظة وناقلة لهذه الثقافة، ومن ثم فهي تحفظ للأمة وحدتها وترابطها، وتمكن أفرادها من التواصل والتعبير عن تركيبهم الثقافي والقيمي، وفيما يخض اللغة العربية فهي أصل أصيل، ومركب لازم من لوازم هوية هذه الأمة، فهي لغة القرآن، وضياعها ضياع لهذا الدين.

لذا فإن تعلمها والحفاظ عليها واجب قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" (اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية: [207]، مطبعة السنة المحمدية ط2 - 1369هـ).

لكننا في الوقت ذاته يجب أن نشير إلى أمر هام وهو أن الهوية الإسلامية هوية دينية فكرية، وليست هوية عرقية، أو هوية قومية تقوم على رابط العرق أو اللغة بالأساس، لذلك نرى تحت لواء هذه الهوية من لا يتحدث العربية، ويجيد لغة أخرى كالإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، وهذا لا ينقص من هوية الفرد المسلم على المستوى الفردي إن كان أعجميا، لكن غياب اللغة أو ضعفها على المستوى المجتمعي العام في المحيط العربي لا شك أنه نقيصة ومطعن في هويتنا الإسلامية.

ومن مكونات الثقافة أيضا العلوم والفنون والآداب، وهي أمور قد تختلف من مجتمع لآخر في المحيط الإسلامي، لكنها تنضوي جميعها في آخر الأمر تحت لواء الشريعة، والأمر نفسه ينطبق على العرف والعادة، فـ"منها ما أقره الدليل الشرعي وجوبا أو ندبا، أو نفاه تحريما أو كراهة، كالأمر بإزالة النجاسات، أو النهي عن الطواف عريانا، وما أشبه ذلك، فما حسنه الشرع من ذلك لا يمكن أن يكون قبيحا، وما قبحه لا يمكن أن يكون حسنا، فلا يمكن أن يقال: إن كشف العورة كان قبيحا عند نزول التشريع، وسيكون حسنا بعد ذلك، ومن العوائد ما لم يقره أو ينفيه الدليل الشرعي، لكنه ثابت لا يتغير ولا يتبدل كوجود شهوة الطعام والشراب والوقاع، وعادات النظر والكلام، والمشي والغضب والنوم، فهذه أسباب لأحكام تترتب عليها، فلا يتعلق بها تحسين ولا تقبيح شرعي لذاتها، ولكن باعتبار ذرائعها ومآلاتها، فمن تذرع للأكل بالكسب الحرام فهو قبيح، ومن تذرع له بالحلال فهو حسن، ومن مشى للطاعة فهو حسن، ومن مشى للمعصية فهو قبيح، وهكذا، وقد تكون العادات متبدلة غير ثابتة، فتتبدل أحكامها تبعا لتبدلها مثل كشف الرأس قد يكون في زمن أو مكان قبيح لذوي المروءات مسقطا للعدالة عرفا، وقد يكون في زمن آخر أو مكان آخر غير قادح في العدالة، فيكون الحكم الشرعي تبعا في ذلك للعرف والعادة" (المختصر الوجيز في مقاصد التشريع (بحث منشور بالإنترنت) الشيخ الدكتور عوض بن محمد القرني؛ ص: [40]).
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة