- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:من البعثة إلى الهجرة
أمر الله ـ عز وجل ـ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يصدع بالدعوة إلى الله، وكان ذلك بعد مضي ثلاث سنين من عمر الدعوة، فأنزل الله تبارك وتعالى قوله: { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين }(الحجر:94)، فجهر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالدعوة، وبين لقومه ما هم فيه من الضلالة والشرك، والجهل والخرافات، ولما لم يمكنهم أن يواجهوا الحجة بالحجة، جاهروه بعداوته، وعزموا على مخالفته، عصبية وجهلا، وتعرضوا له بالسب والشتم والإيذاء من أول لحظة دعاهم فيها، وكان من أوائل من تعرض للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالسب والإيذاء عمه أبو لهب وزوجته أم جميل ـ حمالة الحطب ـ، واسمها : أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه وسببا في عذابه في نار جهنم .
عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لما نزل قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأقربين }(الشعراء:214)، صعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الصفا، فجعل ينادي، يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما الأمر؟، فجاء أبو لهب وقريش، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا!!، قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا جمعتنا، فأنزل الله في الرد عليه: { تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد }( المسد: 1: 5 ) ) رواه مسلم .
قال ابن كثير: " قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: { سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد }( المسد 3 : 5 )، فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطنا ولا ظاهرا، لا سرا ولا علنا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة، على النبوة الظاهرة " .
ويقول السعدي: " السورة ( المسد )، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا (يموتا)، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة " .
وعن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( لما نزلت : { تبت يدا أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس ومعه أبو بكر، فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشيء، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنه سيحال بيني وبينها، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك، فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق، فلما ولت قال أبو بكر: ما رأتك؟!، قال: لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت ) رواه البزار .
حماية الملائكة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
لقد تكفل الله تعالى بحفظ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قال سبحانه: { والله يعصمك من الناس }(المائدة: من الآية67)، قال ابن كثير : " أي بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل إليك أحد منهم بسوء يؤذيك ".
ومن حفظه ـ سبحانه ـ لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه سخر له من الملائكة من يحميه ويحرسه، وقد أخفته الملائكة وسترته عن عيني زوجة أبي لهب فلم تره، والدليل على ذلك قول أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لو تنحيت لا تؤذيك يا رسول الله )، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنه سيحال بيني وبينها )، فلما ولت قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: ( ما رأتك؟!، قال : لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت ) .
والأمثلة في السيرة النبوية لحماية وحفظ الملائكة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة، منها ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ( يعني بالسجود والصلاة )؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، فأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يصلي،ـ زعم ـ ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي ( أي يحتمي ) بيديه، فقيل له: مالك؟!، فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لودنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ) رواه البخاري .
وكما حمت الملائكة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أبي لهب وأبي جهل، فقد تنزلت لحمايته يوم أحد، حين أطبق عليه المشركون، وتفرق عنه أصحابه، فعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت عن يمين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض، يقاتلان كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد ـ يعني جبريل وميكائيل ـ ) رواه البخاري .
قال الماوردي : " فمن معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : عصمته من أعدائه، وهم الجم الغفير، والعدد الكثير، وهم على أتم حنق عليه، وأشد طلب لنفيه، وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالط ومكاثر، ترمقه أبصارهم شزرا، وترتد عنه أيديهم ذعرا، وقد هاجر عنه أصحابه حذرا حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليما، لم يكلم في نفس ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمة إلهية وعده الله تعالى بها فحققها، حيث يقول: { والله يعصمك من الناس } فعصمه منهم ".