- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مقدمات عامة
من تأمل أحكام الشريعة الإسلامية، اتضح له مدى الاتساع الذي امتازت به في الأحكام والشرائع، بحيث استوعبت جميع مناحي الحياة، وحققت جميع المصالح، ودفعت جميع المفاسد، الأمر الذي يحقق صلاحيتها لكل زمان ومكان.
ويمكن القول: إن شمولية الشريعة من ناحيتين: شمولية أمة الدعوة، فليست ذات دائرة ضيقة وخاصة بشعب دون آخر، أو أمة دون أختها، ولا مرحلة زمانية، أو بقعة جغرافية، بل هي شريعة مستمدة من دين أنزله الله سبحانه وتعالى للناس كافة، قال الله جل جلاله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (سبأ:28)، كذلك نرى الشمولية في كل ما دعت إليه، طارقا من الأمور التي تلبي حاجة البشرية بل حاجة الخليقة كلها: العقيدة والتصور، والعبادات والسلوك، والأخلاق والفضائل، والأحكام والأنظمة، والعلاقات والروابط، في منهج متكامل يهيمن على جوانب الحياة كلها، ليس فيها تفريط لأي شيء: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام:38).
وشموليتها قد استوعبت الجانب العبادي، والذي ينظم علاقة الإنسان بربه سبحانه وتعالى والتي تمثل الغاية من الوجود الإنساني كله، مما يفهم من النصوص القرآنية كقول الباري عز وجل: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56)، وهي قضية تشكل علامة فارقة للمنهج الرباني وتميزه عن سائر المنهاج الأرضية المادية.
والمتأمل في الشريعة الإسلامية يرى حقيقة الشمولية التي اختصت بها على نحو يمايزها عن القوانين الوضعية الأرضية، لأن شموليتها كلية يدخل في نطاقها جميع أنواع العبادات والمعاملات والسكنات والحركات، والأفكار والتطلعات، والأخلاق والآداب، بما يوضح عظم فضل الله علينا بهذه الشريعة الخاتمة.
وشريعة الإسلام تجمع بين مطالب الروح والقلب والجسد، فتزكي النفس وتطهر القلب وتحقق احتياجات الجسد، وعلى هذا الأساس وردت إباحة أكل الطيبات، دون إهمال للعمل الصالح: {كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} (المؤمنون:51)، وحينما دعت إلى النظر الأخروي في مقاصد الأعمال لم تقصد بذلك الرهبانية، وذم نيل الشهوات، أو العتب على تحصيل الملذات المباحة، والاشتغال بالنعم التي بثها الله سبحانه وتعالى في الأرض، ولئن كانت الآخرة هي الغاية والمرتجى، فالدنيا هي الوسيلة إليها، وهكذا نرى المنهج المتوازن الذي يقيم تكوينا قيميا تنتظم من خلاله طبيعة الفطرة البشرية واحتياجاتها، والتطلع نحو تحقيق التزكية والتربية الخلقية الشاملة.
والأصل في شمولية الإسلام قوله سبحانه وتعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } (النحل:89)، وقوله سبحانه : {وكل شيء فصلناه تفصيلا} (الإسراء:12) فهي شمولية تتناول أصول الدين وفروعه، وأحكام الدنيا والآخرة، وكل ما يحتاجه العباد لصلاح معاشهم ومعادهم، بألفاظ واضحة ومعان جلية، فلا حجة بعدها لمحتج، ولا عذر فيها لمعتذر، وهذا التبيان هو واجب رسالي يلزم الأنبياء فعله لأنه أساس دعوتهم، فلا يجوز لهم أن يكتموا شيئا من الدين أو يخفوا أمرا من الشريعة، وقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) رواه مسلم.
والشريعة منهج شمولي ينظم حياة الإنسان كلها، لا في دائرة القوانين فحسب، ولا في إطار الأحوال الشخصية، كحال القوانين الوضعية، والمناهج الأرضية، ولكنه شمول يصوغ الحياة بكل حركاتها وسكناتها، ولا يمكن لغير شريعة الإسلام أن تضبط أفعال الإنسان وتصرفاته، وعلاقاته مع الناس من حوله، فما من حدث ولا عمل يصدر عن المكلف إلا وللشريعة في ذلك موقف ورأي، بل تعلقت شمولية الشريعة لتشمل غير المكلفين، فجعلت لهم أحكاما خاصة بهم، وطالبت من المجتمع أن يراعيها وألا يغفلها، كما هو الحال بالنسبة للصغار والسفهاء، والمجانين ونحوهم.
ومن مقتضيات هذه الشمولية، انتظام عدد كبير من القواعد الكلية لتشمل جميع المجالات، وبذلك تكتسب القدرة على استيعاب الحالات المستجدة والأمور المستحدثة مهما كانت طبيعتها، ونجد أمثال هذه القواعد مبثوثة في كتب التراث مجموعة ومفرقة، وبذلك تجري الأحكام على أسس ثابتة، وقواعد منضبطة.
وشمولية الشريعة تعني أنها ليست مذهبا عباديا على النحو الذي يفهمه الماديون في واقعنا المعاصر، وليست مجرد طقوس تؤدى، ولكنها منظومة كاملة من الشرائع الأخلاقية، والسياسية والاجتماعية، والنفسية والصحية، فهي بمظلتها الواسعة تغطي كل احتياجات البشرية.