- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
الأبناء غراس حياة، وقطوف أمل، وقرة عين الإنسان، ونعمة تستحق الشكر، وفي الوقت نفسه هم مسؤولية يجب العناية بهم، فالطفل أمانة عند والديه، وقلبه عبارة عن جوهرة قابلة لكل نقش، فإن عود الخير نشأ عليه، وإن عود الشر نشأ عليه، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) رواه البخاري .
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
والآباء سيحاسبون على أولادهم، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كلكم راع فمسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) رواه البخاري، ومن هذه المسئولية تربية الأبناء وتنشئتهم من صغرهم على الدين والأخلاق .
وفي سيرة وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معينا لا ينضب من المواقف والوصايا التي لو استخدمت في الحقل التربوي للصغار، لكانت كفيلة بترسيخ أروع القيم والمثل العليا في نفس الطفل، ولجعلت منه شخصية سوية قادرة على القيام بدورها في بناء المجتمع وإصلاحه، لأن صغار اليوم هم بناة الغد ورجال المستقبل .
ومن هذه المواقف والوصايا النبوية في معاملة الصغار وتربيتهم :
تنشئتهم على العقيدة :
عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت خلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوما فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف ) رواه أحمد .
السلام عليهم، ومسح رؤوسهم وتقبيلهم :
السلام على الصغار ومسح رؤوسهم وتقبيلهم، أمر نغفل عنه كثيرا، ومما لا شك فيه أن الصغار يحتاجون إلى الكثير من الاهتمام والحنان، وإشباع هذه الحاجة لا يكون إلا من قبل الوالدين أو من هو قريب منهما، وعلماء النفس والتربية يوصون بأهمية مسح رأس الطفل وتقبيله كأحد أهم وسائل الاهتمام العاطفي لإظهار الحب والتعبير عن الود، ومن ثم تكرر في مواقف كثيرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الأولاد مسحه على رؤوسهم وتقبيله لهم، كما حدث مع محمد بن حاطب، وعمرو بن حريث، وغضيف بن الحارث، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن بسر وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ .
ولم يكن اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالصغار والسلام عليهم وتقبيلهم موقفا عارضا، بل كان منهجا دائما في حياته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم ) رواه ابن حبان .
وعن ثابت البناني قال: كنت مع أنس، فمر على صبيان فسلم عليهم، وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( كنت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمر على صبيان فسلم عليهم ) رواه الترمذي .
مداعبتهم وتكنيتهم :
التلطف مع الصبي والسؤال عن حاله ومداعبته وتكنيته يدخل السرور والحب عليه وعلى أهله، ويعتبر ذلك سلوكا تربويا ودعويا، ويساعد في تكوين شخصيته تكوينا سليما، والتكنية - وهي ما صدرت بأم أو بأب - تجوز ولو لم يولد لمن كني ولد، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري: كتاب الأدب باب " الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل " .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير - أحسبه فطيما ـ وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير ( طائر صغير كالعصفور ) ) رواه مسلم .
أمرهم بالصلاة :
مع اهتمامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالناحية النفسية للأولاد ومداعبته لهم، كان لا يترك فرصة أو موقفا يحتاج الطفل فيه إلى تعليم أو تأديب إلا أرشده ووجهه برفق وحب، فعن عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت غلاما في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت طعمتي ( طريقة أكلي ) بعد ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) رواه أحمد .
لقد توجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالخطاب للآباء والأمهات لحثهم على تعويد أولادهم المحافظة على الصلاة، حتى ينشأ الواحد منهم حسن الصلة بالله، ومن لم يمتثل الأمر ولم يأمر أولاده بالصلاة ويتابعهم فيها، فقد عرض نفسه للعقوبة لأن أولاده أمانة عنده وسيحاسب عليهم .
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى: " يجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، ومن كان عنده صغير، يتيم أو ولد، فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزر الكبير على ذلك تعزيرا بليغا، لأنه عصى الله ورسوله " .
ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - منع الصبيان من حضور المساجد، فقد كان يحضرهم ويقر حضورهم، فعن بريدة - رضي الله عنه - قال: ( بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يخطب، إذ أقبل الحسن والحسين - عليهما السلام - عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل وحملهما، فقال: صدق الله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة }(التغابن: 15)، رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما ) رواه النسائي .
فائدة :
كما أن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصغار بالطاعات ليعتادوا عليها، كان من هديه - صلوات الله وسلامه عليه ـ نهيهم عن الوقوع في المحرمات، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: ( احلقوه كله، أو اتركوه كله ) رواه أبو داود، فنهاهم عن القزع، وهو حلق بعض الشعر، وترك بعضه، ووجه الخطاب للمكلفين، ولم يعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الصغير غير مكلف وذلك حتى لا يعتاد الخطأ .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي - رضي الله عنه - تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة )، وفي رواية أخرى: ( إنا لا تحل لنا الصدقة ) رواه مسلم .
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم ) رواه الترمذي، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - التحريم متعلقا بالذكورية، ولم يجعله متعلقا بالبلوغ والتكليف .
قال ابن تيمية: " ما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير، فإنه يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويضربه عليها إذا بلغ عشرا، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات " .
لم يترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرصة ولا موقفا إلا وقدم النصح للصغار، وأرشد هم إلى السلوك الصحيح، وما سبق ما هو إلا غيض من فيض من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومواقفه ووصاياه في تربية الصغار والاهتمام بهم، وإذا كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر الآباء بحسن تربية الأبناء، فإنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد أعطى من نفسه القدوة الصالحة ليتأسى به الآباء والمربون في كل زمان ومكان، قال الله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }(الأحزاب:21) .