فاطمة رضي الله عنها ـ ضَحِكٌ وبُكَاء ـ

0 1891

وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي الحدث الأهم في سيرته، لأن وفاته ليست كوفاة سائر الناس، ولا كسائر الأنبياء، إذ بموته ـ صلى الله عليه وسلم ـ انقطعت النبوات، وانقطع خبر السماء ووحي الله عن الأرض، وقد نبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عظم هذه المصيبة التي حلت بالمسلمين فقال: ( يا أيها الناس: أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي ) رواه ابن ماجه .
قال السندي: " ( فليتعز ) ويخفف على نفسه مؤونة تلك المصيبة بتذكر هذه المصيبة العظيمة، إذ الصغيرة تضمحل في جنب الكبيرة ،فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصغيرة ".

             اصبر لكـل مصيـبة وتجلد            واعلـم بأن المـرء غير مخلـد
             واصبر كما صبر الكرام فإنها        نوب تنوب اليوم تكشف في غد
             أو ما ترى أن المصائب جمـة        وترى المنيـة للعبـاد بمرصـد
             فإذا أتتك مصيبة تشجى بها           فاذكر مصـابك بالنبي محمـد

ولفاطمة ـ رضي الله عنها ـ موقف مع أبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرضه الذي توفي فيه، أظهر علو منزلتها، وشدة حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها، وحبها له، وفيه كذلك معجزة نبوية .

بكاء وضحك :

أسر النبي - صلى الله علي وسلم ـ خبر انتقاله إلى الرفيق الأعلى، لابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وحدها، صراحة ومشافهة دون غيرها فبكت، ثم أسر إليها ثانية بعد حزنها على سماع خبر فراقه، بأنها ستكون أول أهله لحوقا به، فسرت بذلك وضحكت .
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كن أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا، فلما رآها رحب بها فقال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه ـ أو عن شماله ـ ثم سارها (أسر لها بكلام) فبكت بكاء شديدا، فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت، فقلت لها: خصك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين؟، فلما قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سألتها: ما قال لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم؟، قالت: ما كنت أفشي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سره، قالت فلما توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق، لما حدثتني ما قال لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في المرة الأولى، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين، وإنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال: يا فاطمة ! أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟، قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت ) رواه البخاري .
وفي رواية مسلم : ( فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبكيت، ثم سارك فضحكت؟، قالت: سارني فأخبرني بموته ، فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت ) .
لقد كانت فاطمة - رضي الله عنها- تشاهد وتشعر بالألم والمعاناة التي يشعر بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرضه الذي توفي فيه، وقد دفعها ذلك كما في رواية البخاري أن تقول: " واكرب أباه "، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لما ثقل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل يتغشاه، فقالت فاطمة: واكرب أباه، فقال لها ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) رواه البخاري

معجزة نبوية :

وذلك في إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمر غيبي مستقبلي لم يحدث بعد، وهو إخبار ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ بأنها أول من يلحقه بعد موته، وذلك في قولها ـ رضي الله عنها ـ عما أسرها وأخبرها به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله، فضحكت ) .
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: " وفي الحديث إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما سيقع، فوقع كما قال، فإنهم اتفقوا على أن فاطمة ـ عليها السلام ـ كانت أول من مات من أهل بيت النبي صلى ـ الله عليه وسلم ـ بعده حتى من أزواجه " . وقال: " هذه معجزة ظاهرة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بل معجزتان، فأخبر ببقائها بعده، وبأنها أول أهله لحوقا به، ووقع كذلك، وضحكت سرورا بسرعة لحاقها، وفيه إيثارهم الآخرة وسرورهم بالانتقال إليها والخلاص من الدنيا " .

فائدة :

لقد كانت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ أصغر بنات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ كانت زينب الأولى، ثم رقية الثانية، ثم أم كلثوم الثالثة، ثم فاطمة الرابعة، وهي أطول أولاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صحبة له وأحبهن إليه .
قال ابن حجر : " كانت فاطمة أصغر بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحبهن إليه " .
وكانت ـ رضي الله عنه ـ أكثر الناس شبها برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ما رأيت أحدا من الناس كان أشبه بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلاما ولا حديثا ولا جلسة من فاطمة، قالت: وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا رآها أقبلت رحب بها، ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحبت به ثم قامت إليه فقبلته ) رواه البخاري .
وقد قال عنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها ) رواه مسلم . ومعنى بضعة مني: قطعة مني.
وعن المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني ) رواه البخاري .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها: ( يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ ) رواه البخاري، وفي رواية أخرى للبخاري: ( أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة، أو نساء المؤمنين ؟ ) .
قال ابن حجر: " وأقوى ما يستدل به على تقديم فاطمة ـ رضي الله عنها ـ على غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن ما ذكر من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنها سيدة نساء العالمين إلا مريم، وأنها رزئت ( أصيبت ) بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون غيرها من بناته، فإنهن متن في حياته، فكن في صحيفته، ومات هو في حياتها فكان في صحيفتها " .

وقد توفيت ـ رضي الله عنها ـ بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بستة أشهر، وهى في الثالثة والعشرين من عمرها، ولم يكن لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقب ( أي أحفاد ) إلا من ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ .
إنها ـ فاطمة الابنة الحبيبة، الرفيقة الشفيقة، المواسية لأبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وزوج علي ـ رضي الله عنه ـ، وابنة خديجة - رضي الله عنها ـ، وهي أكثر الناس شبها برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . 
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة