- اسم الكاتب:اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )
- التصنيف:ثقافة و فكر
للورد لغة خاصة لا تقرأ أبجدياتها العين المجردة بل تقرئها المشاعر.. لغة عالمية حرة طليقة بعيدة عن قيود الحروف وتصاريف النحاة وركاكة المترجمين.. لغة قاموسها مستودع في الوجدان الداخلي للبشرية جمعاء، ومطلع على معانيها البشر كافة قارئهم وغير قارئهم.. لغة لا تستعصي على الفهم لأنها تنساب مع الأحاسيس، فلا تحتاج إلى جهد العقول ولا نباهة الفكر ولا براعة الاستقراء ولا جودة الاستنباط.
وهي لغة حية تتسم بالتدفق منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها إلى يوم البعث العظيم.. وتكاد لغة الورد تستحوذ على جميع الأفئدة إلا من غلظ منها وقسى فهي كالحجارة أو أشد قسوة.. فبليد الطبع لا يفهم مفرداتها، العتل الجواظ الجموع المنوع الذي لا يستشعر الجمال.
وألوان الورد على تنوعها واختلاف درجاتها تبهج العين وتشرح الصدر، وتتألق في الطبيعة الغناء بمظهر أنيق يعجز أي فنان أن يحاكيه بريشته وأصباغه مهما أوتي من براعة وإتقان. أما الزهور الصناعية فهي مسخ بجوار شذى الورد الفتان، وكيان مشوه بجانب بهائه الأخاذ، وصنعة رديئة بجوار صنعة الخالق تباك وتعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين }[لقمان:11]
أما عبق عطر الورد فهو مستراح المتعبين وسلوى المكتئبين وملاذ العاشقين ، ويكفي من روعته أن أذعنت له كل مستحضرات العطر الصناعية، واعترفت له بالفضل والتفرد.
والورد عموما مبهج للنفوس، ومحرك مكامن الأمل والتفاؤل فيها، ولا تكاد تجد أحدا يتشاءم منه، حتى ولو وجد في أصعب المناسبات، كمرض الخلان، فنجد الورد مخففا للأحزان، مضفيا على المكان عبق النظارة والشباب تيمنا بشفاء الحبيب أو القريب.
وتكاد عادة شراء الورد الطبيعي تستحوذ على كافة المجتمعات الحضارية الراقية، ومعلما من معالم تأنقها ورفاهيتها، وتاجر الورد يتمتع بوجاهة بين أفراد تلك المجتمعات عن سائر التجار حتى ولو كانوا تجار الذهب والألماس، أما زارع الورد البسيط فمحال أن يعير بين الناس بدناءة حرفته، لأنه ببساطة متناهية رجل يفهم لغة الزهور، تلك اللغة التي لم يتعلمها في كلية الألسن، بل اكتسبها من معايشة ما هو محبوب لكل النفوس.
ولا يكاد يوجد مكان إلا وللورد فيه موضع يناسبه، في ردهة البيت وغرفاته وشرفاته، وفي المكاتب، والمحلات، والطرقات، والساحات، وأسطح البنايات، وحتى المستشفيات .. بل لا تكاد توجد في حياتنا مناسبة إلا والورد يناسبها فرحا أو حزنا، أما فرحا فلإظهار البشر بالفرحين، وأما حزنا لتخفيف الهم عن المحزونين.
والحديث عن الورد ساحة الشعراء ومنتدى الأدباء وميدان البلغاء، فيه يستعرضون براعتهم اللغوية، وأحاسيسهم الراقية، وأشجانهم العذبة الفياضة، فتفننوا فيه وصفا ومدحا وثناء وعشقا وهياما وغراما.. ولا تكاد تجد أديبا إلا ذكره ولا شاعرا إلا مدحه.
والورد من أجل الهدايا وأجمل العطايا، التي تذهب دغل الصدور، وتقضي على الوحشة والنفور، ولذلك وصفه الأطباء النفسانيين لمرضاهم، والخبراء الاجتماعيين لكل زوجين ورحمين ومتخاصمين ومتهاجرين ومتنافرين، فهو خير رسول بين القلوب، وعلامة السلام والصفاء، والتواصل بالحب والإخاء.
ورحيق الأزهار كم كتبت فيه أشعار، وتناولته الأفكار، وتداولته مجاميع النحل المختلفة فأخرجت منه أطيب الأطعمة، شراب عسل مختلف ألوانه، فيه شفاء للناس، منحة من الكريم المنان رب الأرض والجنان، الذي امتن على عبادة في القرآن، بالوحي إلى النحل بسنته في الأكوان: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون }[النحل: 68-69]
وأخيرا فالورد ذروة سنام الجمال الذي أشاد به الوهاب المنان، والنبي العدنان -صلى الله عليه وسلم-، فقال تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون }[النحل:5-6] وقال تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين }[الحجر:16]
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس.[رواه مسلم:]