الإساءة إلى الناس فن !!

0 1959

نعم هي فن يتقنه كل من تخلى عن الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة الجميلة ، فكل فن من الفنون له أصوله ومقوماته وقواعده ، لكن الإساءة إلى الآخرين تحتاج التخلي عن الأصول عن القواعد عن الأدب والحياء ، والتحلي بنوع من السفاهة وسوء الأدب.
ولهذا تجد من أدمن الإساءة إلى الناس مرة بالسخرية منهم ومرة بالغيبة ومرة بقبيح القول ومرة بتتبع العورات والنقائص لينشرها بين الناس، تجد هذا الصنف من أسافل الناس وأجهلهم وأبعدهم عن التحلي بمكارم الأخلاق.

إن الله تعالى قد أمرنا أن نكون من المحسنين في كل شيء : { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (195) }(سورة البقرة).
وإساءة الواحد منا في الحقيقة ترجع إليه كما قال الله تعالى: { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } (الإسراء: 7).
(أي: فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب، فرغب في الإحسان، وحذر من الإساءة).
وقال تعالى: { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون } (الجاثية: 15).
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (وفي هذا حث على فعل الخير، وترك الشر، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السيئة).

وقال بعض السلف: (ما أحسنت إلى أحد، وما أسأت إلى أحد، وإنما أحسنت إلى نفسي، وأسأت إلى نفسي).
ومن أجل هذا المعنى قيل: (من رضي لنفسه بالإساءة، شهد على نفسه بالرداءة والدناءة).

وقال محمود الوراق:

إني وهبت لظالمي ظلمي        وغفرت له ذاك على علمي

ورأيته أسدى إلي يدا               لما أبان بجهله حلمي

رجعت إساءته عليه               وإحــساني إلى نفسي

وغدوت ذا أجر ومحمدة        وغدا بكسب الظلم والإثم

وكأنما الإحسان كان له          وأنا المسيء في الحكم

وما زال يظلمني وأرحمه      حتى رثيت له من الظلم

وتزداد الإساءة قبحا وذما إذا كانت متوجهة إلى من يتأكد على المرء أن يحسن إليه كالوالدين ؛ ولهذا قرن النبي صلى الله عليه وسلم الإساءة إلى الوالدين بأعظم ذنب على الإطلاق وهو الشرك فقال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا. قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ".

وإن من العجيب أن الإساءة تمنع العبد من الشفاعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ". وذلك لأن اللعن إساءة ، بل من أبلغ الإساءة ، والشفاعة إحسان ، فالمسيء في هذه الدار باللعن ، سلبه الله الإحسان في الأخرى بالشفاعة ، فإن الإنسان إنما يحصد ما يزرع ، والإساءة مانعة من الشفاعة التي هي إحسان.

الوسائل المعينة على ترك الإساءة:

1- الحلم:
قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96].
قال السعدي: (أي: إذا أساء إليك أعداؤك بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء. ومن مصالح ذلك: أنه تخف الإساءة عنك في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب) .

2- الاستغفار:
عن علي رضي الله عنه قال: (ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك، ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله) .

3- معرفة أن في ترك الإساءة رجاحة النفس، وراحة القلب:
قال القاضي المهدي: (ولو لم يكن في الصفح -وترك الإساءة- خصلة تحمد إلا رجاحة النفس ووداع القلب، لكان الواجب على العاقل أن لا يكدر وقته بالدخول في أخلاق البهائم...) .

4- حسن الظن بالله.
عن معمر، قال: (تلا الحسن: " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " [فصلت: 23] فقال: إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم؛ فأما المؤمن فأحسن بالله الظن، فأحسن العمل؛ وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن، فأساءا العمل).

5- قصر الأمل:
إذ طول الأمل مدعاة إلى الإساءة ، عن الحسن رحمه الله: (ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل).

نسأل الله أن يقينا مساوئ الأخلاق ، وأن يوفقنا والمسلمين لكل خير ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة