- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:نظائر قرآنية
في سياق إخبار القرآن الكريم عن المنافقين، وأنهم يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر، نقرأ قوله تعالى: {يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} (آل عمران:167)، وفي سياق حديث القرآن عن الأعراب نقرأ قوله عز وجل: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} (الفتح:11)، فلسائل أن يسأل: إن مقصود الآيتين قد اتحد؛ لأن حاصله التعريف بأن كلا من المذكورين في الآيتين أظهر خلاف ما أبطن، فلم قيل في آية آل عمران: {بأفواههم}، وقيل في آية سورة الفتح: {بألسنتهم} مع اتحاد المعنى؟
أجاب ابن الزبير الغرناطي عن هذا الاختلاف بقوله: إن قوله في آية آل عمران: {بأفواههم} ينبئ عن مبالغة واستحكام، وتمكن في اعتقاد أو قصد، لا يحصل من قوله: {بألسنتهم}، ألا ترى قولهم: (تكلم بملء فيه) حين يريدون المبالغة، وقال تعالى: {اليوم نختم على أفواههم} (يس:65) المراد المبالغة في منعهم من الكلام، وإذا ختم على (الأفواه) امتنعت (الألسنة) عن النطق، وكان أحكم في المنع.
ولما كان المراد بالآية الأولى الإخبار عن المنافقين، من أمثال عبد الله بن أبي وأصحابه ممن استحكم نفاقه وتقرر، فقال يوم أحد ما حكى الله تعالى من قولهم في المخالفين لهم من الأنصار ممن أكرمه الله بالشهادة في ذلك اليوم: {لو أطاعونا ما قتلوا} إلى ما قالوه من هذا، ثم وروا عنه بقولهم لصالحي المؤمنين: {لو نعلم قتالا لاتبعناكم} (آل عمران:167)، فأخبر تعالى عنهم بما أخفوه من الكفر، فقال تعالى: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} (آل عمران:167)، فناسب الإبلاغ في قوله تعالى: {بأفواههم} ما انطووا عليه، واستحكم في قلوبهم من الكفر.
أما آية سورة الفتح فقد سيقت مساق الإخبار عن أعراب ممن قال تعالى فيهم: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} (الحجرات:14)، وهؤلاء لم يستقر نفاقهم كالمذكورين في سورة آل عمران، وإنما أخل بهم قرب عهدهم بالكفر، وإن لم يتقرر الإيمان في قلوبهم، لكن لا عن نفاق كنفاق الآخرين، قال تعالى مخبرا عن هؤلاء الأعراب: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا} (الفتح:11) فعن هؤلاء قال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم}، فعبر بـ (الألسنة) إشعارا بأن حال هؤلاء ليس كحال أولئك المنافقين المقصودين في آية آل عمران؛ فلاختلاف الطائفتين اختلفت العبارة عما صدر منهم، وورد كل على ما يناسب، ولم يكن عكس الوارد ليناسب.
هذا ما ذكره ابن الزبير في جوابه عن الاختلاف بين التعبير بـ (الأفواه) في آية سورة آل عمران، والتعبير بـ (الألسنة) في آية سورة الفتح. ولم نقف فيما رجعنا إليه من كتب التفسير على من تحدث عن هذا الاختلاف.