علوم الحديث من القرن الرابع إلى أوائل القرن السابع

0 2132

هذا الدور يمكن أن يعرف بأنه دور التآليف الجامعة وظهور فن علوم الحديث مدونا ، ففي هذه الفترة أكب العلماء على تصانيف السابقين التي كانت تجربة أولى في التدوين ، فجمعوا ما تفرق في مؤلفات الفن الواحد ، واستدركوا ما فات السابقين ، معتمدين في كل ذلك على نقل المعلومات عن العلماء بالسند إليهم كما فعل سابقوهم ، ثم التعليق عليها والاستنباط منها.

فوجدت كتب في علوم الحديث لا تزال مراجع لا يغني عنها غيرها ، ومن أهمها :

1. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي : ألفه القاضي أبو محمد الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ، المتوفى سنة (360هـ) ، وهو أكبر كتاب وضع في علوم الحديث حتى ذلك العصر ، استوفى فيه مؤلفه البحث في آداب الراوي والمحدث ، وطرق التحمل والأداء ، واجتهاد المحدثين في حمل العلم ، وما يتعلق بهذا الفن من الأمور ، فهو في الحقيقة من كتب علوم الحديث بمعناه الإضافي لا باعتبار كونه اسما ولقبا للعلم الخاص المعروف .

2. الكفاية في علم الرواية : للخطيب البغدادي أبي بكر أحمد بن علي ، المتوفى سنة (463هـ) ، وقد استوفى فيه البحث في قوانين الرواية ، وأبان فيه عن أصولها وقواعدها الكلية ، ومذاهب العلماء فيما اختلفت آراؤهم فيه ، ولا يزال حتى يومنا أعظم كتاب في هذا الباب .

3. الإلماع في أصول الرواية والسماع : للقاضي عياض بن موسى اليحصبي ، المتوفى سنة (544هـ) ، وهو كتاب مفيد جدا .

فهذه المراجع وسواها مما صنف في ذلك العصر في كل نوع من أنواع علوم الحديث أصبحت المراجع الأصلية في هذه الفنون ، بنى عليها اللاحقون بأن حذفوا أسانيدها وتلافوا أوهاما يسيرة فيها ، واستدركوا زيادات أضافوها إليها .

وفي هذا الدور وضعت التآليف الجامعة لأنواع الحديث ، ونما التدوين في فن علوم الحديث ، ومن أهم ما صنف في ذلك :

1. معرفة علوم الحديث : للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري ، المتوفى سنة (405هـ) ، بحث فيه اثنين وخمسين نوعا من علوم الحديث ، وقد طبع في مصر سنة (1937م) .

2. المستخرج : لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، المتوفى سنة (430هـ) ، زاد فيه على الحاكم أشياء فاتته ، ولذلك سماه مستخرجا ، ومع ذلك فقد تركا أشياء للمتعقب .

3. ما لا يسع المحدث جهله : للميانجي أبي حفص عمر بن عبد المجيد ، المتوفى سنة (580هـ) ، وهي رسالة مختصرة .

وكان أبرز الأعلام الذين شيدوا بنيان علوم الحديث في هذا الدور واعتمد عليهم من جاء بعدهم : الحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي .

أما الحاكم فقد شق الطريق لمن بعده بوضع كتابه المذكور ، قال ابن خلدون : " ومن فحول علمائه - يعني علوم الحديث - وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة ، وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه " .

وأما الخطيب فإنه قد صنف في كل فن من فنون الحديث كتابا مفردا جامعا مستوفيا ، حتى أضحت كتبه ملاذ الأئمة في فنون الحديث ، كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة : " كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه " .

وكان طابع الجمع في هذه التآليف بارزا ظاهرا ، فقد عمد المصنفون إلى نقل أقوال أئمة الفن في كل مسألة بأسانيدهم ، ووضعوا لكل مجموعة منها عنوانا يدل على مضمونها ، معتمدين على القارىء في فهمها وإدراك مراميها ، سوى شيء يسير من الإيضاح أو المناقشة ، إلا أن الحاكم قصد ضبط القواعد ، لكن فاته - كما ذكر العلماء - أمران :

1- استيعاب أنواع الحديث .
2- تهذيب العبارات وضبطها حتى يتضح المراد من التعريف .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة