أنت مع من أحببت

0 1566

إن شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الله عظيم، وإن قدره لكريم، فقد اختاره الله - تعالى - واصطفاه على جميع البشر، وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين، وشرح صدره، ورفع ذكره، وأعلى قدره، وزكاه في آيات كثيرة، فقال تعالى: { ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك * ورفعنا لك ذكرك }(الشرح 1 : 4)، وقال: { وما ينطق عن الهوى }(النجم: 3)، وقال: { وإنك لعلى خلق عظيم }(القلم: 4)، وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ، آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) رواه الترمذي، وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن : من أنت؟، فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ) رواه مسلم .
ولذا فإن محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصل من أصول الدين، وشرط من شروط الإيمان، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري، فلا يكون المؤمن كامل الإيمان حتى يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من نفسه، فعن عبد الله بن هشام ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم -: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن، والله لأنت أحب إلى من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الآن يا عمر ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " فجواب عمر ـ رضي الله عنه ـ أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: ( الآن يا عمر ) أي الآن عرفت فنطقت بما يجب " .

والوسائل التي تعمق وتزيد محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القلوب كثيرة، منها :

دراسة السيرة النبوية :

من أهم وسائل تعميق محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستقرارها في القلوب دراسة سيرته الشريفة، ففيها معرفة قدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشرفه وعلو منزلته، وتأييده وحفظ الله له، وكيف نزلت الملائكة تقاتل معه وتنصره، ومعجزاته الكثيرة التي أكرمه الله بها، إذ كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة، وأظهرهم آية، فله من المعجزات التي وقعت وتكررت في أماكن مختلفة وأحداث متعددة ما لا يحد ولا يعد، وقد أوتي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحظ الأوفر والنصيب الأكبر من جمال الصورة وتمام الخلقة، وحسن الخلق والرفق في المعاملة، وكل هذا أثر أثرا بالغا في حبه والإقبال على دعوته، ومن ثم فدراسة سيرته ومعرفة شمائله وأخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما يزيد ويعمق حبه في القلوب، ولذا كان سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ يقدرون السيرة النبوية قدرها، ويتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم، فكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ يقول : " كان أبي يعلمنا المغازي ويعدها علينا، ويقول : " يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها "، وقال الزهري: " علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة " .

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :

الصلاة والسلام على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضل القربات، وأجل الأعمال، ومن الوسائل الهامة لتعميق محبته في القلوب، وقد أمرنا الله ـ تعالى - في كتابه الكريم بها، فقال تعالى: { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما }(الأحزاب: 56)، فهي من علامات حبه، وأداء للقليل من حقه، وفضائلها كثيرة .
وقد ذكر ابن القيم في كتابه " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " فضائل وثمرات كثيرة للصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، منها :
" امتثال أمر الله تعالى، وسبب للحصول على الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات، وشفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه، وأنها سبب لقرب المسلم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة، وأنها سبب لصلاة الله والملائكة على المسلم، وسبب استجابة الدعاء، وسبب لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم، وسبب لطيب المجلس، وأنها تنفي عن قائلها صفة البخل، وسبب لدوام محبة قائلها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنها متضمنة لذكر الله وشكره، ومعرفة نعمه على عباده بإرساله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهداية الناس " .

بالمؤمنين رؤوف رحيم : 

معرفة وتذكر رحمته ورأفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمته، وشفاعته لهم يوم القيامة، من وسائل تعميق محبته، فالنفس مفطورة على حب من أحبها، ومن أحسن إليها، وإن المتأمل في سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد صورا كثيرة لحرصه الشديد على أمته، ورحمته وشفقته بها، والتيسير عليها، رجاء أن تكون في ظل الرحمن وجنته يوم القيامة، ولا شك أن هذا من عظيم أسباب تعميق محبته في القلوب، وقد وصف الله ـ سبحانه ـ رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأعظم الأوصاف التي تدل على رحمته بأمته وحرصه عليها، فقال سبحانه: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم }(التوبة: 28 ).
قال ابن كثير في تفسيره: " وقوله: { عزيز عليه ما عنتم } أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، { حريص عليكم } أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم " .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) رواه البخاري .

أولادنا وحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

أطفالنا هم الرعية التي استرعانا الله إياها، ومما يجب علينا تجاه رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نحقق محبته اعتقادا وقولا وعملا، ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد، كما يجب علينا كذلك أن نحرص على غرس وتعميق حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفوس أولادنا منذ الصغر، لأن مرحلة الطفولة هي أهم المراحل في بناء شخصية الإنسان، والطفل إذا تربى على حب نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعناه الصحيح والحقيقي سهل عليه الاتباع والاقتداء به ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فنشأة الصغير على شيء تجعله متطبعا ومتصفا به

                وينشأ ناشئ الفتيان منا     على ما كان عوده أبوه

ولذا كان علي بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ يقول: " كنا نعلم مغازي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم السورة من القرآن "، ويقول ابن القيم في كتابه " تحفة المودود بأحكام المولود " : " فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا " .

أنت مع من تحب :

عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال: ( جاء أعرابي جهوري الصوت قال: يا محمد! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟!، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرء مع من أحب ) رواه الترمذي .
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟، فقال: المرء مع من أحب ) رواه البخاري .
وعن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا أتى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال له: ( متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟، قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت ) رواه البخاري .
قال أنس ـ رضي الله عنه ـ : " فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم "، وقال الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ: " ما فرحنا بعد الإسلام بشيء فرحنا بهذا الحديث " .
وقد نظم ابن حجر معنى الحديث في بيتين فقال :

               وقائل هل عمل صالح          أعددته ينفع عند الكرب
            فقلت حسبي خدمة المصطفى     وحبه فالمرء مع من أحب
 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة