قولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفلِحوا

0 1486

بعد رجوع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطائف بدأ يعرض نفسه على القبائل في أيام الحج, يطلب منهم الإيواء والنصرة، حتى يبلغ دين الله ـ عز وجل ـ، وفق خطة دعوية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يأتي إليهم أسواق المواسم، وهي: عكاظ ومجنة وذو المجاز، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه، وكان يصاحبه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ الذي له خبرة وعلم في معرفة أنساب العرب وتاريخها، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يسأل القبائل ويقول لهم: كيف العدد والمنعة والحرب فيكم؟، الأمر الذي يساعد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التعرف على معادن القبائل، فيقع الاختيار على أفضلها وأنسبها، من حيث الاستعداد المعنوي والمادي، الذي يحمي الدعوة الجديدة، ويتحمل تبعات نشر دين الله وحمايته، والدفاع عن أتباعه .

وكان أبو جهل وأبو لهب يتناوبان على أذية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما يدعو في الأسواق والمواسم، وكان يجد منهما عنتا كبيرا، إضافة إلى ما يلحقه من إعراض وأذى المدعوين أنفسهم .
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرض نفسه على الناس في الموسم فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ) رواه ابن ماجه
وعن طارق بن عبد الله المحاربي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مر في سوق ذي المجاز وعليه حلة حمراء وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟، قالوا: غلام بني عبد المطلب ( أي: النبي صلى الله عليه وسلم )، فقلت: من هذا الذي يتبعه يرميه بالحجارة؟، قالوا: هذا عمه عبد العزى أبو لهب ) رواه أحمد .

ولم يقتصر الأذى الذي تعرض له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يعرض دينه على القبائل على ذلك، بل واجه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما هو أشد وأقسى، فقد روى البخاري في تاريخه والطبراني في الكبير واللفظ له عن مدرك بن منيب العامري عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه، حتى انتصف النهار فأقبلت جارية بعس (قدح كبير) من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: يا بنية لا تخشي على أبيك غلبة ولا ذلة، فقلت: من هذه؟ قالوا: زينب بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهي جارية وضيئة (جميلة) ) .

لقد بدأ بحث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للنصرة من خارج مكة ينشط بشكل ملحوظ بعد أن اشتد الأذى عليه, عقب وفاة عمه أبي طالب, الذي كان يحميه من قريش، فمنذ أن جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوته، انفجرت مكة بمشاعر الغضب، وظلت عشرة أعوام لا تألوا جهدا في محاربة الإسلام، وإيذائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ، واتخذوا لذلك أساليب شتى وطرقا متعددة منها: السخرية والاستهزاء والنيل من الرسول - صلى الله عليه وسلم- ورسالته، ورميه بشتى التهم والأوصاف، بغرض صد الناس عنه، فتارة اتهموه بالجنون، كما قال الله تعالى: { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون }(الحجر الآية : 6)، وتارة يصفوه بالسحر والكذب : { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب }(ص الآية :4 )، وتارة أخرى بأنه شاعر : { ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون }(الصافات الآية : 36)،وتارة تعرضوا له بالأذى البدني، ولم يتركوا إيذاءه حتى وهو يدعو قبائل أخرى إلى الإسلام .
ورغم ذلك لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمع عن قدوم لمكة من قبائل أخرى إلا دعاهم للإسلام، بحثا عن أرض جديدة خصبة للإسلام ودعوته، فأسلم على يديه أربعة: سويد بن الصامت من قبيلة الأوس بيثرب وكان شاعرا، وإياس بن معاذ وكان صغيرا في السن في الثالثة عشرة من عمره، وقد مات الاثنان ـ رضي الله عنهما ـ بعد ذلك بشهور قليلة، أما الآخران فكان إسلامهما فتحا، فقد جاء كل واحد منهما بقبيلته بعد ذلك مسلمة، وهما أبو ذر الغفاري والطفيل بن عمرو الدوسي ـ رضي الله عنهما ـ .

لقد واجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما تعرض له من أذى نفسي وبدني بالثبات على دينه، والاستمرار في دعوته، ليكون ـ في كل زمان ومكان ـ قدوة للمسلمين عامة وللدعاة خاصة في الصبر والثبات، فإذا كان الإيذاء قد نال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم يعد هناك أحد أكبر من الابتلاء والمحن، وتلك سنة الله مع الأنبياء والمؤمنين، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه ـ قال: ( قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ) رواه ابن ماجه. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة