الذرَّة آية من آيـات الخلق

0 984

على عمق كادريليون جزء من المتر من المادة - الكادريليون وحدة قياس أطوال يعادل 10 أس -15من المتر- يوجد عالم الإلكترونات electrons، وهو عالم فسيح جدا، يدور فيه الإلكترون حول نواة الذرة بسرعة 1000 كيلو متر في الثانية. (1) 

ويدور الإلكترون في مدارات ثابتة ومنفصلة، ولا تتخلف عن بعضها البعض أبدا، وبالتالي لا يحدث التصادم ..!!

إنها عملية خلق واع، لأن الإلكترونات متطابقة تماما، ومع ذلك تدور في مدارات مختلفة، وتتبع مسارات ثابتة دون إخفاق، ولا اصطدام.

وهذه السرعة الخاصة بالإلكترون -1000 كيلومتر في الثانية -، هي السرعة المثالية التي تتيح للإلكترون الالتفاف حول النواة دون السقوط فيها.. لأن الإلكترون سالب الشحنة، بينما بروتونات النواة protons موجبة الشحنة، وهذا يستدعي التجاذب بينهما، لكن هذه السرعة الرهيبة تتيح عدم التجاذب، وبالتالي عدم إنهيار الذرة ..!!

إن النموذج الذري يخضع لنظام بديع، لا يتخلف ولا يفسد .. مع أن الملليمتر الواحد به تريليونات الإلكترونات .(2)

فسبحان الخالق الباريء المصور .. {هو الله الخالق البارئ المصور } (الحشر :٢٤)

والنموذج الذري يقتضي أن يكون عدد البروتونات معادلا لعدد الإلكترونات حتى تستقر الذرة، وبالتالي يستقر الكون كله، كل هذا يجري في عالم غير واع، المليارت منه لا تملأ النقطة في نهاية الجملة .(3)

وداخل العالم الذري نجد أن كل شيء يتحرك بتوازن متقن، فالبروتونات متشابهة الشحنة المفترض فيها أن تتنافر داخل نواة الذرة، ومع ذلك هي تتغلب على هذه المعضلة بالقوى النووية القوية strong nuclear force فتتماسك ولا تتنافر .(4)

ويوجد سبعة أغلفة إلكترونية حول نواة الذرة، ولكل غلاف عدد محدد من الإلكترونات التي لا تتغير أبدا .. وهذا النظام ينطبق على كل الذرات في الكون، فالكون مبني بخطة واحدة، ومن خامة واحدة .

كل هذه الحسابات الدقيقة للتوازن الذري تجري كل لحظة، في كل جزء من مليارات الأجزاء من جسدك، ومن الطاولة أمامك، ومن شاشة الحاسوب التي تطالع من خلالها الآن، ومن عقلك الذي تستوعب به هذه الكلمات، ومن بصرك، ومن لسانك، وجميع أجزاء الكون تكشف لنا عن تدبير مالك الملك، عظيم الخلق، صاحب الحكمة والإرادة المطلقة، الذي لا يترك ولو ذرة واحدة عاطلة في الكون، بل الكل يدور ويسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار: {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} ( الإسراء:٤٤)

ومن العجيب أن ما نراه من تنوع الألوان والمواد والعناصر، وبل كل طاقة، وتفاعل يجري في الكون هو مجرد تغير في مستوى الإلكترون، وفي سريانه، وفي شكل الذرة وارتباطها بغيرها من الذرات، لتشكيل جزيئات ومركبات، من خلال الارتباطات الأيونية Ionic bonds أو الكيميائية Chemical bonds أو التساهمية Covalent bonds ، تجري خلالها أنواع من المقايضة على الإلكترونات بين الذرات المتعاقدة، أو تتقاسمها في أغلفتها الخارجية، من أجل القبول بالترابط مع الذرات الأخرى.(5)

وحتى اليوم يواجه العلم هذه الترابطات بتعميمية شديدة، لأنه لم يعرف بعد: لماذا تسلك الذرات هذا السلوك العقلاني الرشيد؟
ولماذا تتقيد الذرات بهذا المبدأ التعاقدي الصارم لمقايضة الإلكترونات، أو تقاسمها؟
ولماذا تقبل الذرة هذا التعاقد، وترفض تعاقدا آخر؟
بل ويتحدث العلم عن معجزة الرفض ، حيث ترفض الذرة أن تتعاقد مع ذرة ما، في حين تقبل التعاقد مع أخرى .(6)

ولولا هذا الرفض لأصبحت الحياة مستحيلة، لأن الذرة لو قبلت كل تعاقد فإن مادة أصابعك ستتفاعل مع لوحة المفاتيح وستلتصق بها، وسيظهر مركب جديد منهما، ومادة الماء ستتفاعل مع الكوب ويظهر جزيء جديد، ومادة مكتبك ستتفاعل مع السيراميك وتنشأ مادة جديدة، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهذا يعني استحالة الحياة، فرفض التعاقد يعادل في إعجازه قبول التعاقد .

وإذا جال الإنسان بناظره إلى صيغة العقد بين الذرات، لتكوين المركبـات والجزيئات، سيكتشف أن التعاقد يكون إلى أجل محدد، فمثلا: التعاقد بين الهيدروجين والأوكسجين لتكوين جزيء الماء، هو تعاقد هيدروجيني Hydrogen Bonding، حيث يتفكك هذا التعاقد ثم يترابط مجددا مليارات المرات في الثانية الواحدة، مما يتيح الخاصية السائلة العجيبة للماء، فعمر التعاقد بين الأوكسجين والهيدروجين يجب أن يستمر جزء من مائة بليون جزء من الثانية، ثم ينحل ثم يعود للتعاقد فورا، وهذا يجعل من الماء سائلا .(7)

ومن المدهش أن صيغة هذا الترابط الهيدروجيني سريع التحلل، تحقق معجزة أخرى في البحار والمحيطـات، حيث تتيح هذه الصيغة من الترابط للماء أن يصبح أكثر لزوجة في الحالة السائلة، فإذا تحول إلى الحالة الصلبة، قلت لزوجته، وطفا لأعلى وأتاح لملايين الأحياء بأسفله أن تعيش في أمان .

إن قوانين الفيزياء، وقوانين الكيمياء، وقوانين المادة التي تحكم هذا النموذج الذري العجيب، الغاية في الإتقان، تشهد بالتوازن المعجز داخل هذا العالم الذي يفتقد إلى الوعي، فلا قوة إلا قوة الله في الحقيقة ولا حكمة إلا حكمته وكل إرادة منه سبحانه، والعلم لن يخترع قوى كونية جديدة ولن يضيف توازنات مختلفة عما أودعه الله في أول ذرة في أول لحظة من خلق الكون، وكل ما في وسع العلم التجريبي أن يفعله هو أن يطلق على هذه التوازنات مسميـات وأن يبين إعجاز التوازن فيها.

فمن يستحق الخضوع حقا هو خالق تلك المنظومة العملاقة المتوازنة، سبحانه القوي العزيز الذي أمرنا أن نسير في الأرض فننظر كيف بدأ الخلق: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير} (العنكبوت:٢٠).

هوامش المقال

1- http://www.britannica.com/EBchecked/topic/183374/electron
2- http://www.newton.dep.anl.gov/askasci/phy05/phy05351.htm
3- http://en.wikipedia.org/wiki/Atom
4- http://aether.lbl.gov/elements/stellar/strong/strong.html
5- http://www.ndt-ed.org/EducationResources/CommunityCollege/Materials/Structure/bonds.htm
6- http://chemed.chem.purdue.edu/genchem/topicreview/bp/ch8/valence.html
7- http://www1.lsbu.ac.uk/water/hbond.html

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة