مختلفون .. ولكن!

0 922
  • اسم الكاتب:الشيخ: سلمان العودة ( موقع الإسلام اليوم )

  • التصنيف:خواطـر دعوية

- قال لي شاب يقظ: منذ عشرين سنة وأنت تتحدث عن الاختلاف في مجالسك وبرامجك ودروسك وكتبك فما النتيجة التي خرجت بها؟.

- قلت له:لم أخرج بعد!
ما زال هم الاختلاف وإدارته بأخلاق وحكمة يحتل المقام الأول عندي لنجاح أي مشروع نهوض أو دعوة أو إصلاح.

على أني كأحد المتابعين لسجال الشبكات الاجتماعية أجد فيمن حولي عشرة مثالب في الحوار:
1- التكفير دون بصيرة لمن أصله الإسلام، وتجاهل الوعيد بأن الكفر يعود عليه إن لم يكن صاحبه كافرا، وأن الخطأ في الإبقاء على الإسلام خير من الخطأ في الإخراج منه، ولا أعلم في الكتاب والسنة نصا يدعو إلى تكفير المسلمين أو مدعي الإسلام أو المنتسبين إليه، وباب التكفير مرجعه العلماء الراسخون، والحكم على أعيان الناس بالكفر مرجعه إلى القضاء العادل.

2- التفسيق؛ والفسق قرين الكفر، وهو يطلق على أصحاب الكبائر الذين لاينزعون ولايرعوون عنها.

3- التبديع والتضليل، وقد يكون الفعل بدعة عند قوم وليس كذلك عند آخرين، وقد يكون سنة خفيت فرمي أهلها بالبدعة، وقد يكون بدعة ولكن لا يوصف صاحبه بأنه مبتدع؛ لأن السنة أغلب عليه.

4- التنفيق؛ أعني الرمي بالنفاق، وما أكثره على ألسنة المتسرعين المتشرعين، وكأنهم أخذوا عن حذيفة بن اليمان أسماء المنافقين، فهم يصدرون الحكم ويحلفون عليه، وينسون أن الله وصف المنافقين بأنهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون، وأنهم لا يذكرون الله إلا قليلا.

5- السب والشتم والبذاء بألفاظ تتسامى الفطرة السليمة عن حكايتها، ولا تجري على ألسنة المهذبين والمتأدبين، ويعلم بالقطع أن الله لا يحب أن تنصر شريعته ولا يعظم مقام رسله بمثلها!

6- التجهيل والتسفيه لمن يختلف في الرأي، ومؤداه أن المسفه على بينة وبصيرة، وقد يكون حديث عهد باستقامة، ويملك من الحماس والغيرة ما لا يملك من المعرفة!
وكم من عائب قولا صحيحا .. .. وآفته من الفهم السقيم

7- التخوين؛ وهو عادة ما يكون عند الحديث عن قضايا وطنية، فالمخالف فيه خائن لوطنه وعميل لأعدائه، وكأن علامة الانتماء الصادق هي الولاء الأعمى، والاصطفاف في كل موقف ومناسبة، والتصفيق دون تدقيق!

8- التحوين؛ وأعني به التشبيه بالحيوانات من الحمر، والبقر، والقرود، والكلاب.. وأشباهها من السائمة، أو من الطيور الحقيرة؛ كالرخم، والغراب، والخفاش.. وقد كرم الله بني آدم، واصطفاهم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا.

9- التهديد والوعيد في الدنيا بأن يظفر بك المخالف فيفعل بك ويفعل، أو التوعد بالآخرة والمثول بين يدي الله، وهو حق لا ريب فيه، ولكنه مشترك لا يخص أحدا من أحد: {قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} (الواقعة:50،49)، ولاينبغي أن تهدد به غيرك وكأنك أنت بمنجاة منه.

10- الدعاء على المخالف بالشر، وهو نتاج التغيظ والعصبية، وإلا فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: [اللهم اهد دوسا وائت بهم]، وقيل له: ألا تدعو على الكفار؟ فقال: [إنى لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة](رواه مسلم عن أبي هريرة).

أما المخارج العشرة فهي:
1- الأخلاق حتى مع المخالف الأصلي، فما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا رحمة للناس كلهم؛ ليتمم مكارم الأخلاق، وكانت وصيته الرفق في الأمر كله، {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (فصلت:35).

2- الكلمة الطيبة، وهي صدقة، وهي أساس الدعوة الربانية النبوية بالحكمة والموعظة الحسنة.

3- المجادلة بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب، باستثناء الذين ظلموا واعتدوا واستحقوا الإعراض أو المدافعة بما يناسب.

4- التجرد وقبول الحق والإنصاف، وهو عزيز المنال، ولذا قال عمار: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان؛ الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار) (رواه البخاري). والهوى والعصبية حاجز دون الحياد وقبول الحق، وأكثر الناس يتعصبون للموروث دون تحر ولا تحرير.

5- الاستماع والإنصات، وقد أنصت النبي -عليه السلام- لزعماء قريش وهم يعرضون عليه المال والملك والزوجات مقابل التخلي عن دعوته حتى فرغوا، ثم قرأ عليهم القرآن، وعند الجدل تحتدم النفوس، وتضيق الأخلاق، ولا يملك أكثر الناس الصبر وطول البال.

6- الصمت والسكوت حين يخرج الأمر من البحث العلمي إلى المسافهة والبذاء، إذ لا يليق بالعاقل أن يجاري السفيه، وقد قال (أبو تمام):
إذا جاريت في خلق دنيئا .. .. فأنت ومن تجاريه سواء

وفي السنة مشروعية الصمت عن رد السباب؛ كما في قصة أبي بكر الصديق، وكما في المرأة التي قالوا لها زنيت وسرقت وهي تقول: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وقبلها قصة مريم: {فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} (مريم:26).

7- العفو والصفح بتحرير الباطن من الغيظ والحقد على من ظلمك أو سبك أو شتمك أو تجاوز في حقك؛ احتسابا للأجر، وتدريبا للنفس على المكارم، وهو مقام أعلى من مجرد السكوت والإعراض.

8- الدفع بالتي هي أحسن، وهو في ثلاثة مواضع من كتاب الله، وهو حقيقة القوة والتمكن من النفس وامتلاك زمامها، فالشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

9- رد الأمر إلى عالمه -سبحانه- {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء:85)، وليس من الحكمة أن يتكلم المرء في كل مسألة وحادثة، ولا يعلق على كل قول، ومن ترك "لا أدري" أصيبت مقاتله، ونصف العلم "لا أدري"، ولا يزيد الله العبد بهذه الكلمة إلا عزا ورفعة.

10- الدعاء لأخيك المسلم بالحضور والغيبة بخير الدنيا والآخرة، وسيدعو لك من هو خير منك، وتكاد أن تسمعه من فوق رأسك: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (الحشر:10).

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة