- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
قل ما شئت من خير في الدين، وسمه ما شئت، وأطلق عليه ما يروقك من النعوت، وعبر عنه بما تريد من تعابير الأدب، وفصاحة العرب ، وحله بما يعجبك من جميل الألقاب وجيدها.
لك كل ما تشاء وأكثر، لكني أناشدك المولى عز وجل بألا تتابع خرافات الملاحدة الهزيلة فيه، ولا تقل بقول اللادينيين وأهل الجهالة، فتنسب إليه كل نقص، وتجرده من كل معنى ودور، فلن يسعفك علماء الأديان بذلك، ولن تجد ضالتك في علوم الاجتماع والنفس كذلك. فالكل – أعني المتخصصين- في عصرنا متفقون على أن الدين منقذ للبشرية من ضلالاتها، ومحارب للعدمية Le Nihilisme– فقدان المعنى في الوجود – وكآبتها. فما معنى الدين ؟ وما هي بنياته وأدوراه التي تجعله في مقدمة مطالب البشر ؟
تعريف الدين :
الدين La Religion عند العرب يشير إلى : " علاقة بين طرفين، يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له، فإذا وصف بها الطرف الأول كانت خضوعا وانقيادا، وإذا وصف بها الطرف الثاني كانت أمرا وسلطانا، وحكما وإلزاما، وإذا نظر بها إلى الرباط الجامع بين الطرفين كانت هي الدستور المنظم لتلك العلاقة، أو المظهر الذي يعبر عنها " (1).
ويعرفه أبو البقاء الحسني بقوله : الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات، قلبيا كان أو قالبيا كالاعتقاد والعلم والصلاة" (2) .
لكن كلمة الدين لا تقتصر على الدين الحق إنما تتعداه لكل ما دان به البشر سواء كان باطلا أو حقا ومنها قول الله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} ( آل عمران : 85) ومفهومها أن البشر سيتخذون أديانا غير الإسلام الحنيف.
ومنه أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للوثنيين المشركين : { لكم دينكم ولي دين } ( الكافرون : 6) فسمى معتقدات قريش دينا، وقوله عز وجل : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ( التوبة : 33 ) أي ليظهر الدين الحق على كل أديان العالم .
ويعرفه عالم الأديان شميدت بالآتي : " الدين فكرة في المرء وعاطفة، يشعر بها من جرائهما، لأنه مقيد بكائن أعلى منه وأقوى، ومن الوجهة العملية عبادة، وصلاة وذبيحة " (3)
أما إيميل دوركايهم فيقول : " الدين مجموعة متساندة من الاعتقادات والأعمال المتعلقة بالأشياء المقدسة، اعتقادات وأعمال تضم أتباعها في وحدة معنوية تسمى الملة " (4).
والدين له بنية موحدة، تقوم على عدد من العناصر التي تمكنه من أداء الوظائف التي تلبي حاجات البشرية :
المعتقد La Croyance: هو مجمع المبادئ والقيم التي يدعو إليها الدين، والتي تلبي حاجة سيكولوجية ماسة، مدارها ترميز الظواهر والإجابة عن التساؤلات الوجودية التي تدور في ذهن الإنسان .
المرجع La Référence : وهو كتاب مقدس أو مجموعة كتب تكون مرجعا مباشرا لهذه العقائد، يرجع لها الأتباع ويقضون مآربهم من خلال تصفحها .
العبادات Les Vénérations : هي الحالة الانفعالية التطبيقية للمعتقد، حيث تشكل وسيلة للاتصال المباشر مع الخالق، تكون إما فردية أو جماعية وتحقق نوعا من التوازن النفسي، والاجتماعي للفرد والجماعة.
المؤسسة الدين L’institution religieuse : وهم العلماء المتكفلون بشرح وتبسيط المعتقدات والمقدسات للجماعة والأفراد، لهم أدوار جوهرية في المجتمع .
وظائف الدين:
حسب اطلاعنا على كتب علماء الاجتماع الديني والنفسي، فإن وظائف الدين في حالته الشمولية، تدور حول خمس كبرى وهي :
- الوظيفة التفسيرية والتلقينية : أي تفسير ظواهر الكون والإجابة على التساؤلات الوجودية المحيطة بالإنسان، حول حكمة الخلق والتعريف بالخالق ودور الإنسان في الحياة وما بعد الموت ،وتلقينهم فلسفة الدين وعقائده .
-الوظيفة التطمينية : أي تطمين الأتباع على مصيرهم ما بعد الموت، ومعرفة الناجي من الهالك، وتحذير المخالفين.
- الوظيفة التأديبية : وهو ما يتعلق بالأخلاق والعبادات والمعاملات، وحث الأتباع على الاستقامة، والحض على قيم الخير.
- الوظيفة التشريعية : سن القوانين الكفيلة بحماية حقوق الفرد والجماعة، ومعرفة الحلال والحرام ...
- الوظيفة النفسانواجتماعية: تحقيق الاستقرار للفرد والجماعة، وضمان الوحدة التناغم الثقافيين بين أفراد الدولة وتأطيرها.
إن أي معتقد أو مذهب لا يحقق هذه الوظائف إلا ويسقط أتباعه في غياهب العدمية – فقدان المعنى في الأشياء -، والضنك والحزن، ويكون عرضة لمشاكل نفسية واجتماعية خطيرة، قد تعصف به وبسعادته وحياته .
وكلما اختلت وظيفة من الوظائف إلا وعانى الإنسان من نقصها، وأثرت على حياته من جوانب عدة، فإن كان الفرد معتقدا فقط وغير ممارس على سبيل المثال للعبادات، عانى في هذا الباب بقدر تركه له .
أما المذاهب الإلحادية واللادينية فشر مستطير، جعلت أحد عظماء علم الاجتماع يقول : " الدين مجموعة متماسكة من العقائد والفروض ترمي إلى إصلاح هذا الكون الفاسد .. وخلق أنظمة جديدة تبعث الرجاء في قلب الإنسان اليائس.. على أن الديانات الجديدة المبنية على الإلحاد، لا تستطيع أن تملأ النفس غبطة كما هي الحالة في الديانات القانونية" (5).
وكل هذه الأمور سنتطرق إلى شرحها بالتفصيل في المقالات اللاحقة، متوسعين أكثر في مضامينها، ومستشهدين بأمثلة واقعية حية عليها .
والحاصل أن العودة الإيجابية للدين في حياة البشر، تدعو الإنسان أن يعيد النظر في أحكامه المسبقة، ومقولاته الإيديولوجية، عسى أن يحسن الإصغاء لنداءات الإيمان، وأن يلبي دعوة الخالق : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } ( الأنفال : 24 )،{ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا } ( النساء : 174 ).
هوامش المقال
1- كتاب الدين لعبد الله دراز، ص : 32.
2- كتاب الكليات لأبي البقاء الحسني، ص : 12 .
3- براين شميدت، نشأة الديانة وتطورها، ص :41.
4- إيميل دوركايهم، الصور الأولية للحياة الدينية، ص : 10.
-5- رايمون آرون، مستقبل الديانات العلمانية، مجلة بلان الفرنسية 1978م