مفهوم النبوة في الإسلام

0 1971
  • اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي- إسلام ويب

  • التصنيف:تعزيز اليقين

النبوة تشريف سام، وتكليف شاق ومرموق، ومنزلة كبرى، وفضل عظيم يهبه الله تعالى لمن ارتضاهم من عباده، قال تعالى : {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا} ( مريم : 58 ) . فهي إنعام من الله تعالى، واجتباء لمن يشاء من عباده : {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ( الأنعام : 124 ).

وأهمية المقال تتجلى في الحاجة إلى فهم طبيعة النبوة ومعناها، الفرق بينها وبين الرسالة، ومتى يكون النبي رسولا ؟ ومتى لا يكون النبي صاحب رسالة بل مذكرا بشرع من قبله. أي بمفهوم آخر: متى يفترقان ؟ ومتى يجتمعان ؟

تعريف النبوة لغة واصطلاحا

النبوة مشتقة من النبأ، وهو الإخبار؛ وأيضا هي بمعنى العلو والارتفاع .(1)
وكل رسول نبي؛ والرسول لفظة مشتقة من الإرسال، وتعني التوجيه والبعث . (2)

أما اصطلاحا : فقد اختلف أهل العلم فيها، وافترقوا على مذاهب :
أولاها : أنه لا فرق بين النبي والرسول، بل هو من قبيل الترادف، فيطلق النبي على الشخص الذي اصطفاه الله لإنذار قومه، والرسول تطلق عليه من جهلة تكليفه بمهمة التبليغ والإرسال. وهو مذهب ضعيف كما نص عليه القاضي عياض وبينه رحمه الله (3)
ثانيهما : أن النبي لم يؤمر بالتبليغ، في حين أن الرسول هو المأمور بتبليغ شرعه، وهو قول مخالف للأدلة أيضا، فكلاهما مبلغ عن الله تعالى.
ثالثهما : وهو مذهب جمهور أهل العلم، والذي نرجحه، أن الرسول هو المبعوث إلى قوم برسالة جديدة وشرع جديد، في حين أن النبي هو مذكر لقومه برسالة سابقة، فيكون كل رسول نبيا، وليس كل نبي رسولا . ( 4)


وظيفة الأنبياء 
أما وظيفتهم فهي التبليغ عن الله تعالى فيما يوحى إليهم، والدعوة إلى عبادته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيق التوحيد الخالص، ونقض الشرك والمذاهب الهدامة، وإرشاد أقوامهم لما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وإنذارهم لما بعد الموت، وإخبراهم بالغاية من خلقهم، وعلاقتهم مع الكون، والجواب عن أسئلة الإنسان الوجودية، والتي منها : ما العالم ؟ وما الإنسان ؟ من أين جاءا ؟ ومن خلقهما ؟ ما الهدف من وجودهما ؟ وما هو الموت ؟ وأي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة ؟ وغيرها من الأسئلة.

الصفات الواجبة في حق الرسل عليهم السلام

هناك صفات واجبة أن تكون في الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم – إليك بيانها :
الذكورة : بأن يكون الرسول ذكرا وليس أنثى، فأمور النبوة جلل، والأنبياء تلزمهم دربة نفسية وبدنية في مواجهة المشركين، وقوة في الشخصية، وصبر على الأذى، واجتياز لمشاق الدعوة ؛ في حين أن المرأة بطبعها كائن يميل إلى العطف والحنان، فلا يصلح لها النهوض بأمور النبوة الشاقة، وكل الأنبياء المذكورين في القرآن والسنة من الرجال، ولم يعرف في دليل واحد وجود نبية من النساء، إنما المذكور صالحات قانتات .

الصدق : وهو قول الحقيقة فيما يبلغونه عن الله تعالى، وفي جميع أقوالهم العادية؛ ومرد ذلك إلى أنهم أفضل الخلق وأحسنهم، وأنهم لو كانوا متصفين بالكذب لما صدقهم الناس؛ فمقصود النبوة هو الإخبار عن الله، فإن كان المخبر مطعونا في صدقه، غير موثوق في كلامه، لصعد الطعن تراتبيا إلى ما يخبر به، وإلى الرسالة التي أتى بها، والقيم التي يدعو إليها .

العصمة والصفات الحميدة: وهي أن يكونوا معصومين من الزلل في التبليغ عن الله تعالى من جهة، ومحفوظين من مقارفة الكبائر والمهلكات من جهة ثانية، وذلك بحفظ ظواهرهم وبواطنهم من الأهواء، فهم الأسوة الحسنة للمؤمنين، الملتزمين بالدين وأخلاقه، فعن قتادة – رضي الله عنه – قال : " سألت عائشة عن خلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت : كان خلقه القرآن " ( رواه مسلم )

قال القاضي عياض : " وكان – صلى الله عليه وسلم – مجبولا على هذه الصفات في أصل خلقته، وأول فطرته. لم تحصل له باكتساب ولا رياضة، إلا بجود إلهي وخصوصية ربانية، وكذا لسائر الأنبياء. " (5)

التبليغ : وهو توصيل جميع ما أمرهم الله تعالى بتبليغه إليهم، ويستحيل في حقهم كتمان شيء عن الخلق، حتى لو كان في الوحي ما هو مخالف لعادات القوم، أو ما يجر عليه انتقاد الفطر المطموسة، والعقول المنحرفة .

الفطنة : وهي ذكاء العقل وسرعة الإدراك وقوة البديهة والحجة، فالرسل أرسلوا ليحاججوا الناس ولإرشادهم إلى الطريق المستقيم، وذلك لا يقع إلا من خلال حوارات ومناظرات لإبطال الباطل وبيان عواره للناس، وإقامة الحجة على الكفار .

الصفات المستحيلة في حقهم
فيستحيل في حقهم إجمالا عكس الصفات الواجبة؛ كالكتمان، والبلادة، والظلم، والخيانة، والغدر، والأصل في ذلك : لزوم كمال المخبر عن الله تعالى الكمال اللائق به، وبشرف الرسالة المكلف بتبليغها، وعصمته عما يوجب الطعن فيه، واتصافه بكل ما يقتضي سقوطه من مخيال الناس وتصوراتهم .

الصفات الجائزة في حقهم
ويجوز في حقهم كل وصف بشري لا يكون متعلقا بالتلبيغ، كالنوم والجوع والعطش، والمرض، والنسيان – فيما عدا الوحي -؛ والمشي في الأسواق، والسهو، والخوف – على أمته ورسالته ومآل قومه -، فسوسيولوجيا (6): حينما يكون النبي من البشر يجري عليه ما يجري عليهم، يكون ذلك حافزا لأتباعه على الاقتضاء به، والاستنان بسنته، بخلاف لو كان ملكا له من الطاقات ما لا توجد عند البشر، ولا يجري عليه ما يجري عليهم، مما سيدفع الناس إلى التكاسل، وغياب القدوة والمثل الأعلى التطبيقي، الذي يترجم في أقواله وأفعاله وحياته مع قومه وأزواجه وذريته ما يدعو إلى الشرع الحنيف .

وهكذا ترى أيها القارئ، أن مفهوم النبوة بسيط المعالم في الإسلام، قويم الأركان في المنطق، سهل الاستيعاب، لا غموض فيه، ولا يكتنفه ما تطيش منه الفطر، وما تستغربه النفوس السوية، بعكس كثير من الأديان التي نسبت إليهم عظائم الأمور، وكبائر المهلكات . 

هوامش المقال
1- لسان العرب لابن منظور، الجزء 7، مادة نبأ .
2- كتاب الشفا للقاضي عياض، المجلد الثاني، ص 726.
3- المرجع السابق، المجلد الثاني : ص : 729 فما فوقها .
4- راجع لوامع الأنوار البهية للسفاريني، المجلد الأول، ص : 49 .
5- كتاب الشفا للقاضي عياض، المجلد الأول، ص: 72.
6- السوسيولوجيا أو علم الاجتماع، هو العلم الذي يدرس العلاقات ما بين الأفراد والمجتمعات، ويدرس الظواهر المتعلقة بها ويعمل على فهمها، وتحليلها، وحل ما يعتريها من خلل .

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة