نظرة بيولوجية قاصرة على اسم الله المُقيت

0 1022

من أسماء الله الحسنى: (المقيت)، وهو الاسم المذكور في قوله تعالى: { وكان الله على كل شيء مقيتا} (النساء : 85)، والمقيت هو الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات و أوصل إلى كل موجود رزقه بحكمته فهو الحافظ للشيء والمقدر له والحفيظ عليه .(1)

وقد تأسس الكون كله وفق هذا الاسم الجليل من أسماء الله الحسنى، فإذا سألنا عن الشواهد عليه، ستجيبنا الطبيعة من خلال الكثير من الشواهد، وأحد أمثلة تلك الشواهد نظام المناعة والأجسام الدفاعية، وهو نظام مجهري عجيب يحصن أجسادنا ويدافع عنهـا كل لحظة، فمثلا عند دخول مادة غريبة أصغر من جزء من مليون جزء من الملليمتر مثل الفيروس فإنها كافية في تدمير جميع الأنظمة الحيوية في أجسامنا؛ لذا خلق الله جيوشا دفاعية وجعل خمس بروتينات البلازما في دم الإنسان خلايا دفاعية(2) .

وفي الوقت الذي تتكبد فيه ميزانية الدول أكثر من ربع دخلها من أجل الإنفاق على التجهيزات الدفاعية، نرى أن الله المقيت أنعم علينا بتجهيزات دفاعية هي الأقل كلفة في الجسم، مقارنة بباقي الوظائف الحيوية.

وفي الجلد، وعلى بعد أقل من عشر ملليمتر واحد من عمقه، تقبع أفضل أنظمة التعقيم في العالم وأكفؤها أداء، وأدقها هدفا، وأقلها كلفة، وأصغرها حجما، وأعلاها تخصصا، في عالم كامل يموج بالحيوية، ومع ذلك فهو خال تماما من الضوضاء!

بل إن أكبر مختبرات العالم تحاول جاهدة توفير استغناء وقتي عن هذه الأنظمة في بعض العمليات الكبرى، فتوفر كبسولة تعقيم عملاقة، بمصاريف باهظة، ومخلفات كثيرة، يوضع المريض داخلها لوقت قصير جدا، كنظام حجر صحي، ليس لمقاومة الميكروبات، فهذا لا طاقة لها به، ولكن فقط لمنع دخول تلك الميكروبات، فهذه الكبسولات للتعقيم لا أكثر (3).

لكن كيف يتسنى للخلايا الدفاعية antibodies أن تظهر وتستعد لمعركة لا تعرف متى تبدأ، ولا كيف تبدأ، ولا لماذا تبدأ؟ ولا علم لها بكيفية تسليح الخصم ولا نوعيته؟ ومع كل ذلك تظل هذه الخلايا الدفاعية كامنة غير نشطة بانتظار الغازي، أيـا كان تسليحه أو حجمه، فهي لن تفر من المعركة مهما كانت الظروف .

إن هذا النظام الدفاعي المعجز الذي زود الله به خلقه يستطيع إنتاج 100 مليون سلاح مختلف من الأجسام المضادة، في حين أن أقوى جيوش العالم لا تمتلك ما يزيد عن عشرة أنواع من الأسلحة، وهذا النظام الدفاعي يمتلك ذاكرة عجيبة فهو يقوم بتخزين المعلومات عن الخصم لتجهيز أنظمة دفاعية جديدة في حال تكرار المعركة! ومن العجيب أن هذه الذاكرة في الأجسام الدفاعية تظل مرافقة للكائن الحي طيلة عمره .(4)

اللغز الكبير هو: كيف تستعد الأجسـام المناعية للمستقبل؟ إذا كانت حروب اليوم تنفق مليارات الدولارات للتسليح وتدريب الجيوش وابتكار الخطط الحربية والاستراتيجيات القتالية، فكيف تفعلها أجسامنا المناعية منذ البدء؟ ولا إجابة إلا أن الله يقيت لخلقه بعنايته وكلأه، فهو الحفيظ عليهم، ويقدر لهم ما يحفظهم ليستشعروا عظيم فضله .

والأجسام الدفاعية ليست عبثية، ولا صدفوية، بل إنها منظمة ومقسمة، بحيث لا يأخذ أحدها دور الآخر، فمثلا :
الجسم الدفاعي E أو IGE هو جسم دفاعي "إستخباراتي"، ويقاتل دائما في الصفوف الأمامية، ويرسل لباقي الأجسام الدفاعية الرسائل بانتظام عن أية محاولات اختراق أو تهديد، ويتميز بحساسيته البالغة.(5)

أيضا هناك الجسم الدفاعي A أو IGA، وهو "مارينز الأجسام الدفاعية" وصاحب المهام الخاصة، فينتقل من لبن الأم إلى الرضيع بكثافة في الأيام الأولى بعد الولادة، لتوفير تغطية مناعية شاملة للرضيع، ويختفي بعد أن تظهر الأجسام المناعية الخاصة بالرضيع بعد أسبوعين، وكأنه يعلم وظيفته مسبقا ولا يتخلف عنها، بل إن هذا الجسم الدفاعي يقوم بوظائف فدائية خاصة، فينتقل إلى خارج الجسم في الدموع واللعاب، معرضا نفسه للهلاك بعد لحظات، كل هذا التفاني المطلق والتضحية العظيمة لأجل احتواء الجراثيم المنتشرة في تلك البيئات.(6)

أما عماد الخلايا الدفاعية فهو الجسم الدفاعي G أو IGG، وهو "كتيبة المشاة والمدرعات والمدفعية"، ويجري عبر الدم ليواجه الميكروبات مقبلا غير مدبر، ويدخل مشيمة الأم نحو الجنين لتوفير الحماية للجنين أولا بأول.(7)

كل هذه الأجسـام المناعية مصدرها تجاويف العظـام، وتخرج منها لتمارس مهامها بمنتهى التخصصية، والكفاءة، والقصد والغاية.

وخارج تلك الصفوف الدفاعية، تقف قشرة الجلد الخارجية، والمعروفة عند علماء الأحياء أو الطب بالكيراتين keratin، ويعمل الكيراتين كحائط صد يبلغ سمكه عشر الملليمتر، وهو بروتين ليفي يدخل عملية إنتحار جماعي ويفقد الحياة ليشكل الأظافر والشعر والقشرة الخارجية للجلد ويتجدد كل فترة قصيرة ويبدأ الكيراتين القديم بالتساقط من الجسم مع الأجسام الغريبة الغازية، ويقوم بمهمته تلك على أكمل وجه بمنتهى التسليم والكفاءة .(8)

هذه الأنظمة الدفاعية على قدر من التعقيد لا يسمح بالإختزال أو التدرج في الظهور، فالنظام الدفاعي في الأصل بروتين يخرج من نواة الخلية بانتظام عبر أنظمة تشفير غاية في التعقيد، حيث توجد شفرة تصنيعه داخل نواة الخلية الحية، وبعد عملية التصنيع يدخل الجسم الدفاعي في عمليات طي وانثناء وانحناء ليناسب الوظيفة المحددة التي سيقوم بها فيما بعد، حيث يأخذ الشكل المناسب والطيات المناسبة التي ستسمح له فيما بعد أن يمسك الميكروبات بإحكام بين تلك الطيات ويمارس عليها مهامه، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: من أين لذلك البروتين الذي يتكون من ذرات غير عاقلة من الكربون والأوكسجين والنيتروجين، من أين له أن يحدد وظيفة المستقبل التي سيقوم بها، ويحدد مؤهلات تلك الوظيفة، ويحدد الشكل المطلوب منه بالضبط، كي يقوم بوظيفته على أكمل وجه ؟

ولذا يتسائل عالم الكيمياء جيمس تاور: "هل يوجد للصدفة مكان في أنظمة بالغة التعقيد غير قابلة للإختزال أو التدرج على ذلك المستوى الجزيئي؟" (9)

والسؤال الأكثر غموضا: كيف تم تشفير المعلومات المطلوبة لبروتين الجسم الدفاعي داخل نواة الخلية الحية قبل أن يحدث فك التشفير في مرحلة لاحقة ؟

إنها عملية خلق مباشر ومنظم غاية في الإتقان والروعة، تلقي بظلالها على قول أحكم الحاكمين: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات : 21).

ولا يملك الإنسان أمام تلك المنظومة الدفاعية العملاقة إلا التسليم لله، والشكر على عظيم نعمائه، فكل هذا التخطيط صممه الله وحده لأنه يقيت لعباده ما يصلحهم وينفعهم:  { وكان الله على كل شيء مقيتا}(النساء : 85).

هوامش المقال
1- راجع في بيان دلالات هذا الاسم تفسير ابن جرير سورة النساء آية 85
2- http://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK26884/
3- Davidson's principles and practice of medicine ..immunology chapter
4- http://en.wikipedia.org/wiki/Antibody
5- http://en.wikipedia.org/wiki/Immunoglobulin_E
6- http://en.wikipedia.org/wiki/Immunoglobulin_A
7- http://en.wikipedia.org/wiki/Immunoglobulin_G
8- http://www.britannica.com/EBchecked/topic/315321/keratin
9- Chemist J. Tour Challenges Darwinism .. video source
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة