المسجد الأقصى في السيرة النبوية

0 1350

المسجد الأقصى هو مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنه عرج به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، قال الله تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير }(الإسراء الآية: 1)، وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربـطـته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عـرج بي إلى السماء ) رواه مسلم .
فكانت صلاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأنبياء في ليلة الإسراء والمعراج دلالة واضحة على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية، فاستقر نسب المسجد الأقصى إلى الالتصاق بالأمة الإسلامية التي أم رسولها ـ صلى الله عليه وسلم ـ سائر الأنبياء فيه، ولا شك كذلك أن في اقتران العروج بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليل على مدى ما لهذا البيت من مكانة عند الله تعالى، ومنزلة عالية عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمته .

والمسجد الأقصى قبلة الأنبياء وقبلة المسلمين الأولى، وذكر القرطبي وغيره عند تفسير قول الله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين }(آل عمران الآية:96) : " إن أول بيت وضع في الأرض للعبادة هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة - حرسها الله -، وبعده المسجد الأقصى بأربعين عاما "، ثم قال: " ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أول مسجد وضع في الأرض؟، قال: ( المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟، قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟، قال: أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجد، فحيث أدركتك الصلاة فصل ) " .
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه -: ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى، أو صلاها، صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله، لقد صليت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله: { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم }(البقرة من الآية:143) ) رواه البخاري .

والمسجد الأقصى مسجد بارك الله فيه وحوله، والصلاة فيه فضلها كبير، ولا يستطيع الدجال أن يدخله، فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثا: حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
وعن أبي ذر ـ  رضي الله عنه ـ أنه: سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، فقال: ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط ـ أو قال قوس الرجل ـ حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعا ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
وعن جنادة بن أبي أمية ـ رضي الله عنه ـ قال: انطلقت أنا وصاحب لي إلى رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الدجال، ولا تحدثنا عن غيرك وإن كنت في نفسك ثبتا، فقال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( أنذركم الدجال – ثلاثا - فإنه جعد، آدم (أسود)، ممسوح العين اليسرى، تمطر السماء ولا تنبت الأرض، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار، معه جبل خبز ونهر ماء، يمكث في الأرض أربعين صباحا يبلغ فيها كل منهل، ليس أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبيت المقدس، والطور، يسلط على نفس واحدة يقتلها ثم يحييها ولا يسلط على غيرها، ألا وإنه يقول: أنا ربكم، فمن شبه عليه فاعلموا أن الله - عز وجل - ليس بأعور ) رواه أحمد .

والمسجد الأقصى من المساجد الثلاثة التي تشد لها الرحال، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( لا تشد (وفي لفظ: لا تشدوا ) الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى ) رواه البخاري .

فائدة :

المسجد الأقصى لم يجعل حرما كالمسجد الحرام في مكة التي حرمها إبراهيم ـ عليه السلام ـ، ولا كالمسجد النبوي في المدينة التي حرمها نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولذلك يقول العلماء أنه لا يصح وصف المسجد الأقصى بأنه حرم، وأن يقال عنه: ثالث الحرمين .
قال ابن تيمية: " وأما المسجد الأقصى: فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال .. والأقصى: اسم للمسجد كله، ولا يسمى هو ولا غيره حرما، وإنما الحرم مكة والمدينة خاصة ".
وقال الشيخ ابن عثيمين: " فإن بعض الناس يقول عن المسجد الأقصى ثالث الحرمين، وهذا يوهم أن المسجد الأقصى له حرم، والمسجد الأقصى ليس له حرم، بل هو كسائر المساجد لا حرم له .. وليس في الشرع إلا حرمان اثنان فقط، أحدهما وهو أشرفهما وأعظمهما: حرم المسجد الحرام في مكة المكرمة، والثاني: حرم المسجد النبوي في المدينة النبوية، وليس هناك حرما ثالث " .

وفي رحلة الإسراء والمعراج وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثيرة المتعلقة بالمسجد الأقصى ظهر فضله وأهميته، مما جعل له مساحة كبـيرة في قلوب المسلمين، وفي الـتـاريخ الإسلامي، وقد حافظ المسلمون على مفاتيح القدس منذ استلمها عـمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، حتى جاء من بعده من فرط فيها، فعلى المسلمين أن يعرفوا منزلته ومكانته، ويستشعروا مسئوليتهم نحوه، بتحريره من أيدي اليهود ..
 

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة