- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
أن نكون أو لا نكون، شعار رفعه النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام رضي الله عنهم، ضد عرب الجاهلية المجرمين، الذين حاصروا وقاطعوا، حاربوا وقتلوا كل موحد يقول ربي الله، جعلت الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم – يقول : (اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) متفق عليه.
إنه تغير ثقافي changement culturel، أرسى قواعده النبي – صلى الله عليه وسلم-، ثورة توحيدية جاءت لانتشال العرب من ضلالهم، وللرفع من أخلاقهم، ولنقض أساطيرهم البالية، وانتشالهم من حالتهم المتردية، فلا سبيل إلى إخراس صوت الحق، ولا إلى كبت هذا التغير الثقافي الإيجابي، فإما أن يكون أو لا يكون .
فالتغير الثقافي هو مجموع التحولات العقدية التي يعيشها المجتمع في مرحلة معينة من تاريخه، والتي تؤثر على نظرته لنفسه وللحياة والكون، مما يحدث كنتائج تغيرا اجتماعيا يطال بنيات الجماعة وعاداتها وتقاليدها.
وهذا ببساطة ما أحدثه الإسلام في حياة عرب الجاهلية، والأمم التي اعتنقته من بعد، إنه تجل بديع، وثرات غني عند المهتمين بدراسة التغيرات الثقافية والاجتماعية للدول والمجتمعات القديمة منها والجديدة، ثورة جذرية مست بنيات المجتمع الجاهلي، ثقافة وممارسة، عادات وتقاليد، عقيدة وسلوكات، خلقت قطيعة مع الماضي المظلم، وانفتاحا على المستقبل المشرق، وتصحيحا للمسار، وتقويما للانحراف. ومن ذلك :
من عبادة الأصنام إلى عبادة الإله الواحد
يذكر أبو واضح اليعقوبي في تاريخه عبادة العرب في الجاهلية للأصنام فيقول : " كانت العرب إذا حجت البيت ورأت تلك الأصنام ، سألت قريشا وخزاعة فيقولون : نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى. فلما رأت العرب ذلك اتخذت أصناما فجعلت كل قبيلة لها صنما يصلون إليه تقربا إلى الله " (1)
ويذهب بنا ابن هشام لأبعد من ذلك ليذكر لنا أول من أدخل عبادة الأصنام : " حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق، ويقال : عمليق، بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ فقالوا له : هذه أصنام نعبدها ، و نستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم: أفلا تعطونني منها صنما ، فأسير بها إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له : هبل ، فقدم به مكة ، فنصبه ،وأمر الناس بعبادته وتعظيمه. " (2)
وأشهر معبودات العرب هم : هبل، واللات، والعزى، ومناة، والشعرى، وهم ما بين صنم مجسد كهبل، ونخلة مقدسة كاللات والعزى، ومناة وهي مجموعة من الأحجار الغير مجسدة، ونجوم سماوية كالشعرى .
فبعث الله نبيه بالقرآن فقال : {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون } ( الأنعام : 19 )
ونبه إلى بطلان تلك المعبودات الشهيرة، وأنها مجرد مسميات ما أنزلها الله تعالى، ولا دعى لعبادتها : {أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى * ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} (النجم: 19-23).
فكان ذلك أول تغير ثقافي في حياة العرب، أرساه الإسلام ليرتقي بعقائد العرب.
من إنكار وجود الله والبعث والنشور إلى الإيمان به
يقول الإمام الألوسي – رحمه الله تعالى - : " وصنف من العرب دهريون، وهؤلاء قوم عطلوا المصنوعات عن صانعها .. وهم قوم أنكروا الخالق والبعث والإعادة" (3).
فعقب القرآن على هذا المزعم بقوله : {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (الجاثية: 24)
وقوله تعالى : {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون} (الأعراف: 185).
فأرشد عباده إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، وأنها دلائل على وجود الله تعالى .
إبطال إيمان العرب بالكهانة
وفي صحيح مسلم ما موجزه بأن الأنصار كانوا جالسين مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرمي بنجم فاستنار، فسألهم النبي عن معتقدهم فيه أيام الجاهلية، فقالوا إما مات رجل عظيم أو مات، فأجابهم النبي -صلى الله عليه وسلم- : (فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته).
وفي حديث آخر : سأل أناس رسول الله عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ليسوا بشيء) قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحيانا الشيء يكون حقا. قال رسول الله : (تلك الكلمة من الجن يخطفها الجني. فيقرها في أذن وليه قر- ترديد- الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة) رواه مسلم.
إبطال الإيمان بالأزلام وبعض المأكولات والمشروبات
ويشرح اليعقوبي في تاريخه الأزلام بقوله : " كانت العرب تستقسم بالأزلام في كل أمورها، وهي القداح، ولا يكون لها سفر ولا مقام، ولا نكاح، ولا معرفة حال، إلا رجعت إلى القداح، وكانت القداح سبعة: فواحد عليه: الله عز وجل؛ والاخر: عليكم؛ والاخر: نعم؛ والاخر: منكم؛ والاخر: من غيركم؛ والاخر: الوعد؛ فكانوا إذا أرادوا أمرا رجعوا إلى القداح، فضربوا بها، ثم عملوا بما يخرج من القداح لا يتعدونه، ولا يجوزونه، وكان لهم أمناء على القداح لا يثقون بغيرهم. " (4).
وكانت العرب مبتلاة بالميسر، وشرب الخمور، وأكل ما ذبح قرابين للأصنام، فأبطل القرآن كل ذلك بقوله: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} ( المائدة 90 )
وقال تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} (المائدة : 9)
إن الله تعالى ما بعث نبيه – صلى الله عليه وسلم – إلا ليرتقي بعقيدة الناس، ويغيرهم تغييرا إيجابيا يتماشى مع علة خلقهم، ويضعهم على الطريق الصحيح لعمارة الأرض .
فوجب من هذا المنظور، أن نرتقي أيضا لحمل مضامين هذه الرسالة المباركة، وأن ننفض ما قد يعلق في ثقافات أقوامنا، بحكم الجهل والعادات والتقاليد. ولمعرفة مظاهر أخرى في التغير الثقافي عند العرب، نضرب موعدا للقارئ الكريم في الجزء الثاني من المقالة .
هوامش المقال
1-تاريخ اليعقوبي، المجلد الأول، ص: 254.
2-سيرة ابن هشام-المجلد 1، ص: 82.
3-بلوغ الأرب، المجلد الثاني، ص: 220.
4-تاريخ اليعقوبي- المجلد الأول، ص: 259.