- اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
كتاب ظهر قبل أزيد من ألف وأربعمائة سنة، هز قريشا والعرب، بل والعالم أجمع، إلى يومنا هذا، يقدسه المسلمون ويعنون بقراءته وتفسيره، كما استخراج مكنوناته وكنوزه، تسمعه على التلفاز والمذياع، في الصلوات والمساجد، وتقرأه في المحاضرات والكتب .
فهل سبق أن سألت نفسك أيها المتشكك ما القرآن؟ أو تدري ما تسمع ؟
إنه ليس بيانا من الأمم المتحدة، أو من منظمة دولية، أو جهة حكومية، بل هو بيان من الله تعالى؛ {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} ( آل عمران : 138) . هو كلام الله رب العالمين، خالق الكون ومبدعه، ورسالته الأخيرة للخلق جميعا؛ وأي قلب يدرك هذه الحقيقة لا يملك إلا أن يخر ساجدا لأنوارها، كلام العلي من فوق سبع سماوات، كلام من أحاط بكل شيء علما؛ {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} ( يونس : 61). به آيات عجيبات وإشارات بهيات، {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} ( الزمر : 27)، طب القلوب وشفاؤها وراحة الأبدان ونعيمها، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ..} ( الإسراء : 82).
ومن معقول الصفات أن الله تعالى متصف بالكلام، فيكون القرآن كلام الله تعالى، وتجل بديع لهذه الصفة الأزلية العليا، فإن كلمك تعالى {فاستمع لما يوحى} ( طه : 13)، عسى أن تبلغ مرادك، وتسكن نفسك، وتقتطف منه استشكالاتك الوجدانية، وغاية خلقك، وطبيعة حياتك، وما أنت صائر إليه.
إنه بحر من الغيب يحدثك، ونور من السماوات يخاطبك، فكن على قدر الخطاب، تكن إن شاء الله من الفائزين . يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ) رواه الطبري في تفسيره وصححه الألباني.
فتعلق بحبل الله عز وجل، يعصمك من الضلالة والتهلكة ، مصداقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( أبشروا .. فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا، ولن تضلوا بعده أبدا ) رواه الطبري وصححه الألباني.
أن تتمسك بالقرآن فلا تفارقه ولا تفرط فيه، ذلك تعبير نبوي رفيع، ومقصد شرعي أصيل . فهلا تمسكت ؟ لا تحسبن أنك غير معني به، بل هو بلاغ يخاطبك أنت بالذات، اقرأه وتدبره، فوراء كل كلمة حكمة بالغة، {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر} ( القمر : 4-5).
ومفتاح القرآن التدبر، أن تتأمل معانيه، وتفهم مدلولاته، وتعي أوامره ونواهيه، خير لك من كتب التنمية البشرية جميعا إن عقلته، تجد فيه العقائد والعبادات، الفقه والمعاملات، القصص والعبر المبسوطات، ما يهمك في الدنيا والآخرة .
كلام فاق كل بلاغات العرب والعجم، ليس بشعر ولا نثر، حتى جعلت الوليد بن المغيرة – وقد مات على الكفر- أن يعترف ويقول : " ..فو الله ما فيكم من رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته" (1).
لقد كان للقرآن الكريم أثر كبير في نفوس العرب، وقام بتغيير نفسياتهم بشكل جذري، وغير أخلاقهم وسلوكهم وأساليب حياتهم (2). وكون مجتمعا منظما ومتحدا، لما فيه من طاقة روحية هائلة تؤثر على مختلف جوانب الإنسان، حيث يوقظ إدراكه وتفكيره، ويفتح له أنوار بصيرته، ويهز كيانه ووجدانه، ويقوم بصقل للإنسان الذي يقرأه ويؤمن به، حتى يصبح إنسانا جديدا، بعقيدة وثقافة متنورة، ونفس مطمئنة .
إن أغلب علماء النفس المعاصرين، يتفقون على أن أفضل علاج للأمراض النفسية المختلفة، هو الإيمان، يقول عالم النفس ويليام جيمس Wiliam James : " إن أمواج المحيط المصطخبة المتقلبة لا تعكر قط، هدوء القاع العميق، ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله، خليق بألا تعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة. فالرجل المتدين حقا عصي القلق، محتفظ باتزانه النفسي، مستعد دائما لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف " (3).
ويقول عالم النفس كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung : " استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر .. فلم أجد مريضا واحدا من مرضاي الذين كانوا في المنتصف الثاني من عمرهم – أي تجاوزا سن 35- من لم تكن مشكلته أساسا هي افتقاره إلى وجهة نظر دينية في الحياة .. ولم يتم شفاء أحد منهم حقيقة إلا بعد أن استعاد نظرته الدينية في الحياة. "(4).
فإن كان الإيمان في أي دين يحقق راحة نفسية وعلاجا وتحصينا، فما بالك بالإيمان بأقوى الأديان وأشرفها وأعلاها ؟ فإن أدركت فأقبل على القرآن، ولا تكتف بما سطرته لك في المقال، فإنه لا يحدثك عن القرآن ، إلا القرآن .
هوامش المقال
1- رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. وصححه الذهبي.
2- راجع سلسلة مقالاتي بعنوان " الإسلام والتغير الثقافي لعرب الجاهلية " على إسلام ويب.
3- كتاب : دع القلق وابدأ الحياة، لديل كارنجي، ص : 301.
4- كتاب : الإنسان المعاصر في بحثه عن الروح، - انجليزي – ص : 254.