فروقٌ بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية

0 2202

توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، قسمان من أقسام التوحيد تضمنهما الإيمان بالله جل وعلا، ويضم إليهما: توحيد الأسماء والصفات، أما من حيث التعريف، فتوحيد الربوبية: هو اعتقاد تفرد الله تعالى بالخلق والرزق، والملك والتدبير، وغيرها من الأفعال التي اختص بها دون خلقه، وتوحيد الألوهية: هو تفرد الله في استحقاق العبادة، بحيث تصرف له دون ما سواه.

ومن الأمور التي تبحث في باب المعتقد: الفروق ما بين هذين القسمين من أقسام التوحيد، وهذه قضية مهمة للغاية تجدر العناية بها نظرا لوقوع كثير من الطوائف في الخلط بينهما وعدم إدراك طبيعة كل منهما، ثم إن الوقوف على هذه الفروق يدفع الناظر إلى آيات القرآن ونصوص الوحي إلى فهم أدق وتدبر أعمق؛ ويمكن إجمال أهم الفروق الحاصلة بينهما في التالي:

الفرق من جهة الاشتقاق

إذا رجعنا إلى كتب اللغة، نجد فرقا في الأصول اللغوية لكلا اللفظتين: (الربوبية)-(الألوهية)، أما الربوبية: فهي مشتقة من اسم الله: (الرب)، قال صاحب الصحاح: " رب كل شيء: مالكه. والرب: اسم من أسماء الله عز وجل، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة، ورب الضيعة، أي أصلحها وأتمها. ورب فلان ولده، أي: رباه"، وأما الألوهية فهي مشتقة من الإله، قال صاحب معجم مقاييس اللغة: " الهمزة واللام والهاء أصل واحد، وهو التعبد، فالإله: الله تعالى؛ وسمي بذلك لأنه معبود، ويقال: تأله الرجل، إذا تعبد".

وهذا الاختلاف في الاشتقاق يدل على الاختلاف في المفهوم، فلا يمكن أن ينظر إليهما كأنهما لفظان اتحدا في المعنى، وبذلك نعرف خطأ من فسر شهادة أن لا إله إلا الله، بقوله: لا مخترع أو خالق أو صانع غير الله؛ لأنه تفسير للألوهية بالربوبية.

الفرق من جهة المتعلق

يتعلق توحيد الربوبية بالأفعال الإلهية، مثل فعل الخلق والتدبير، والرحمة والإحسان، والنفع والضر، وغيرها من الأفعال التي يختص بها الله تعالى وهذا هو معنى أن نوحده بها: أن نعتقد اختصاصه بهذه الأفعال وعدم قدرة غيره على فعلها، أما توحيد الألوهية، فمتعلقه أفعال العباد، بمعنى: أن يفرد العباد الله بهذه الأفعال ولا يتوجهون بها إلى غيره من المعبودات الباطلة كالأصنام ونحوها، سواء في ذلك العبادات الظاهرة أو الباطنة، فالظاهرة: كالحج والصيام والركوع والسجود، والباطنة: كالخوف والرجاء والتوكل والاستغاثة.

الفرق من جهة الإقرار

توحيد الربوبية أقر به عامة المشركين وأهل الكفر، ولم يشذ منهم إلا النزر اليسير من أهل الإلحاد، وهذا الإقرار إقرار إجمالي ناقص، ولو كان كاملا لقادهم الإيمان بالربوبية إلى إفراد الله بالعبادة، كما قال الله جل وعلا: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:21)، وآيات القرآن بينت إقرار أهل الشرك بمسألة الربوبية في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون} (العنكبوت:61).

وأما توحيد الألوهية: فامتنع أهل الشرك من الإقرار به، ورفضوا أن يفردوا الله بالعبادة، واستجازوا أن يجعلوا للمعبودات الباطلة نصيبا من عباداتهم وصلاتهم وأضاحيهم وقرابينهم، بل تعجبوا من الرسل حينما دعوهم إلى الكفر بكل ما يعبد دون الله تعالى وقالوا : { أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} (الأعراف:70).

الفرق من جهة الدلالة

قول علماء المعتقد: توحيد الربوبية مدلوله علمي، والمقصود بذلك: أن هذا النوع من التوحيد يتعلق بالمعتقد والعلم أكثر من تعلقه بالفعل، فهو العلم بأنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولذلك يسمونه: التوحيد العلمي الخبري.

أما توحيد الألوهية، فهو توحيد عملي؛ لأنه يتعلق بأفعال العباد، وهو أن المكلف مطالب بصرف العبادات لله وحده دون إشراك به في هذه العبادات، فجانب العمل في هذا القسم أكثر وضوحا من القسم الآخر.

الفرق من ناحية دخول الإسلام من عدمه

من آمن وأيقن بأن الله لا خالق غيره، ولا رازق سواه، وآمن بتفرد الله تعالى في جميع أفعاله، فلا يكون مسلما بمجرد هذا المعتقد، ولا يصح أن يقال بإسلام من أقر بتوحيد الربوبية، وهذه قضية وقع عليها الإجماع ودل عليها القرآن، فإن المشركين كانوا يقرون بهذه القضية، ومع ذلك سماهم الله كفارا، أما توحيد الألوهية، فمن أفرد الله بالعبادة، وجانب مسالك الشرك وطرائقه، فيحكم بإسلامه.

الفرق من ناحية ما يستلزمه وما يتضمنه كل منهما

توحيد الربوبية يستوجب توحيد الألوهية؛ لأن من كان بهذه المرتبة من الكمال في الربوبية والتفرد في الإنعام والرزق، كان المستحق للإفراد في العبادة، فكيف يعبد من كان مفتقرا إلى غيره؟ وكيف يعبد من كان لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؟ كما قال الله منكرا على المشركين:{ واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا} (الفرقان:3).

وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، لأن من أفرد الله تعالى بالعبادة فهو مقر ضمنا بتفرد الله تعالى في الخلق والملك والتدبير، وغير ذلك من الأفعال الإلهية، ولولا إقراره بالربوبية ما أفرده بالعبادة.

تلك هي أهم الفروق الحاصلة بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وفي إدراكها عصمة من الخطأ والزلل في مثل هذه المسائل العقدية، وبالله التوفيق.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة