استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع

0 2372

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: (اللهم إنى أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسى تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)، وروى الإمام الترمذي في جامعه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أربع، وكان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ونداء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع).

لا شك أن العلم النافع هو العلم الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ومن علامات ذلك: أن يزهده في التعلق بأحبال الدنيا، ويرغبه في الآخرة، ويحثه على طاعة الله تعالى وتقواه، ويبعد عنه أنواع الهموم والكدر، ولهذا ينبغي على المسلم أن يقصد من تعلم العلم الأجر والثواب من الله تعالى، الأجر المترتب على تعلم العلم وتعليمه، فمن تعلم علما من علوم الشرع فينبغي أن يعمل به، لأن الثمرة الحقيقية من العلم هي العمل، فالعالم الذي لا يعمل بما عنده من علم، ولا يأتمر بأوامر الله تعالى، ولا ينتهي عن نواهيه ليس بعالم، وما يحمله من علم إنما هي مجرد معلومات، مثالها كمثال الشجرة التي لا تثمر، ذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها، فإذا لم ينتفع به يكون وبالا، ولذلك استعاذ منه صلى الله عليه وسلم.

أهمية طلب العلم

تكمن فائدة أي علم في العمل به، وحول هذا المعنى جاء عند الإمام الدارمي في مسنده من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: (تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله) فإن العلم بدون العمل يكون حسرة على صاحبه يوم القيامة، فالمسلم عندما يتعلم العلم ويعمل به فإن أعماله وعباداته تكون على بصيرة، أما إذا لم يعمل بما تعلمه من علم، فإن علمه يكون حجة عليه، لا حجة له، وقد يكون الجاهل أحسن منه حالا، فلا يستوي العاصي الجاهل مع العاصي العالم، وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن سفيان الثوري قوله: أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.

في هذا الحديث حث للأمة وتعليم للمسلمين على اختيار وتعلم العلم النافع، ذلك أن معنى (علم لا ينفع) أي: لا نفع فيه لصاحبه ولا لغيره، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو العلم الذي لا يقترن به التقوى، وهو العلم لا يعمل به صاحبه ولا يعلمه، هو العلم الذي لا يساهم في تحسين أخلاق صاحبه وأقواله وأفعاله، هو العلم الذي لا يحتاج إليه، ولا يوجد إذن شرعي في تعلمه، ولا تصل بركته إلى قلب صاحبه، ومثل عليه بعض العلماء بعلم النجوم أو الفلسفة أو السحر.

وينبغي على المسلم أن يتعوذ من كل علم لا ينفع؛ لأنه سيكون وبالا على صاحبه، فإذا ترك المسلم ما أمر الله به وهو عالم بحكمه، أو ارتكب ما نهاه الله عنه بعد أن بلغه النهي وعرفه، فهو ليس بعالم، فإن العلم هو الخشية، فالذي يحمله الفساق والزنادقة والمنافقين من علوم الشرع ليس بعلم، وإن سماه الناس علما، قال صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله) أي إنما يحمل العلم الشرعي العدول من الناس، فإن من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار. إنما العلم النافع هو الذي يزيد في الخوف من الله تعالى، وينقص من الرغبة في الدنيا، وكل علم شرعي لا يوصل صاحبه إلى الإيمان بالله تعالى وحسن التوكل عليه، وزيادة الاهتمام بالآخرة، وترك التعلق بالدنيا فالجهل أفضل منه، وهو علم لا ينفع.

وقد يحتمل أن يكون هذا العلم نافعا في نفسه وذاته، ولكن صاحبه لم ينتفع به، كالذي أتاه الله آياته فانسلخ منها، ومن هنا فقد تكون الاستعاذة من ميل النفس وحبها في تعلم أنماط هذه العلوم، التي لا تنفع، وقد تكون الاستعاذة متوجهة إلى النوع المقيد منه في قوله: أعوذ بك من عدم الانتفاع بالعلم. قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: "إنما قيد العلم بالنافع، والرزق بالطيب، والعمل بالمتقبل، لأن كل علم لا ينفع فليس من عمل الآخرة، وربما كان ذرائع الشقاوة"، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من علم لا ينفع، وكل رزق غير طيب موقع في ورطة العقاب، وكل عمل غير متقبل إتعاب للنفس في غير طائل، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ورزق لا يطيب، وعمل لا يتقبل.

ونقل صاحب عون المعبود عن أبي طالب المكي قال: قد استعاذ صلى الله عليه وسلم من نوع من العلوم كما استعاذ من الشرك والنفاق وسوء الأخلاق، والعلم الذي لم يقترن به التقوى فهو باب من أبواب الدنيا ونوع من أنواع الهوى، وقال الطيبي: اعلم أن في كل من القرائن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للانتفاع بها، فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافا بل يكون وبالا، ولذلك استعاذ.

ويمكن أن نحصي من أنواع العلوم التي لا تنفع تلك العلوم التي ليس لها ثمرة، فاليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال كانوا يعلمون أن محمدا هو رسول الله، ولكن علمهم هذا لم ينفعهم حيث لم يعملوا بمقتضى الشهادتين، وإن كانوا يزعمون أنهم مؤمنون بالله، فلا ينفعهم إيمانهم بالله حتى يؤمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تقبل إحدى الشهادتين دون الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم تقبل منه هذه الشهادة.

ومن أهم مظاهر أو صفات العلم الذي لا ينفع أن تجد صاحبه يطلب الفخر والرفعة، والمنافسة في الدنيا، ويطلب مباهاة العلماء ومماراة السفهاء، ويسعى إلى صرف وجوه الناس إليه، وعدم قبول الحق والانقياد إليه، فليس العلم بكثرة الكلام أو إجادته، ولكنه نور يقذف في القلب، يميز به المسلم بين الحق والباطل.

أهم مواصفات العلماء من أهل العلم النافع

لا يحبون المدح ولا يسعدون به، ولا يتكبرون على الناس بعلمهم، ولا يحرصون على الوصول بعلمهم إلى أي من مناصب الدنيا، فإن حصل لهم من ذلك شيء، لا يغيرهم عن مقصدهم أو أهدافهم، التي تكمن في طلب رضا الله سبحانه والفوز بجنته والنجاة من ناره، وذلك الفوز العظيم، فالعلم النافع هو العلم الذي يتعلمه صاحبه ليرفع الجهل عن نفسه أولا، ثم عن غيره ثانيا، ويعمل به ويعلمه، أما إذا تعلم العلم من أجل الرياء والسمعة، أو من أجل أن يماري به السفهاء ويباهي به العلماء، فإنه على خطر عظيم، وقد جاء الوعيد الشديد في حقه كما جاء في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة.

ويعرف العلم النافع بدلالته على أمرين:

- تعظيم الله تعالى وإجلاله وخشيته وحسن التوكل عليه، والرضا بقضائه والصبر على بلائه.

- اتباع ما يحبه الله سبحانه تعالى ويرضاه من الاعتقادات والأقوال والأعمال.

فإذا أثمر العلم لصاحبه فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعا ووقر في القلب أدى إلى خشوع القلب لله وانكساره له سبحانه، وذل هيبة وإجلالا وخشية ومحبة وتعظيما، ومن فاته ذلك وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، وصار علمه وبالا وحجة عليه، فلم ينتفع به.

قال ابن عطاء الله السكندري في الحكم: "العلم النافع هو الذي ينبسط في الصدر شعاعه، ويكشف به عن القلب قناعه، خير العلم ما كانت الخشية معه؛ والعلم إن قارنته الخشية فلك؛ وإلا؛ فعليك". يعني أن العلم النافع هو ما كان صاحبه ملازما للخشية، وهي خوف مع إجلال ينشأ عنه العمل، وقد أثنى الله تعالى على العلماء بذلك فقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} (فاطر: 28)، وأما العالم الذي لا خشية معه فليس عالما على الحقيقة، خصوصا إذا كان همه الجمع والادخار والمباهاة والاستكبار، فإن علم هذا حجة عليه وسبب في جر وبال العقوبة إليه، لأنه لا يكون من ورثة الأنبياء إلا إذا كان بصفة المورث عنه من الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وتمكن التقوى منه. 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة