وقال ربكم ادعوني أستجب لكم

0 1119

الدعاء شأنه عند الله كبير، وأجره عظيم، ومعناه إظهار الافتقار لله تعالى، والتبرؤ من الحول والقوة، كما أن فيه معنى الثناء على الله الغني القادر، بكل المحامد، ونسبة الجود والكرم المطلق إليه سبحانه، فإنه هو الرزاق الكريم، وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة أمر الله ـ عز وجل ـ لعباده بالدعاء، وعظم شأنه وفضله، فهو من أعظم العبادات بل هو العبادة نفسها، فعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر:60) ) رواه الترمذي. قال ابن كثير: "وقوله: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي: عن دعائي وتوحيدي، {سيدخلون جهنم داخرين} أي: صاغرين حقيرين".

والدعاء من أعظم أسباب دفع البلاء قبل نزوله، ورفعه بعد نزوله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) رواه الطبراني وحسنه الألباني، كما أنه سبب لانشراح الصدر وتفريج الهم وزوال الغم، وهو مفزع المظلومين وملجأ المستضعفين، ففي حديث معاذ رضي الله عنه الذي رواه البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب).

                                                                أتـهزأ بالـدعاء وتـزدريه         وما يدريك ما صنع الدعاء
                                                                سهام الليل لا تخطي ولكن           لهـا أمد وللأمد انـقضاء

وقال ابن القيم في كتابه الداء والدواء: "والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير".

وأعجز الناس من عجز وترك الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه الطبراني.

فينبغي للمسلم أن يواظب على الدعاء ويكثر منه، و لا يتساهل فيه، أو يتغافل ويتكاسل عنه، فالله عز وجل يغضب على عبده الذي لا يدعوه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يسأل الله يغضب عليه) رواه الترمذي وحسنه الألباني

قال ابن القيم: "هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته، وإذا رضي تعالى، فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه, والدعاء عبادة، وقد قال تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر:60)، فهو تعالى يغضب على من لم يسأله، كما أن ابن آدم يغضب على من سأله:

                                                                 الله يغضب إن تركت سؤاله      وبني آدم حين يسأل يغضب".

وإذا كان من فوائد وآثار الدعاء أنه ينفع فيما نزل ولم ينزل، فليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب بعينه وفي الحال، فإن صور الاستجابة تتنوع، فإما أن يعطى العبد ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، أو أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر! قال: الله أكثر) رواه أحمد وصححه الألباني.

قال ابن عبد البر في "التمهيد": "فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة"، فكل داع لم يقم به مانع من إجابة الدعاء فإنه يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، كما قال ابن حجر.

وقال ابن الجوزي: "اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء متعبد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مفوض".

وقال الشيخ ابن عثيمين: "الدعاء عبادة لله عز وجل، وليعلم أن الداعي بصدق وإخلاص لابد أن يغنم؛ إما أن يستجيب الله تعالى له ما أراد، وإما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخر له الأجر يوم القيامة، لأن الدعاء عبادة فلا بد فيه من خير".

هذه بعض فوائد الدعاء، فاحرص أخي -المسلم عموما والصائم خصوصا- على استغلال الأوقات والأحوال الشريفة في رمضان وفي غيره في طاعة ربك، والدعاء والطلب منه سبحانه، وقد وعدك بالاستجابة لك حين تدعوه فقال: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} (غافر:60 )، وأكثر من الدعاء لنفسك ووالديك وأولادك وإخوانك، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، قوله صلى الله عليه وسلم: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) رواه مسلم

قال النووي: "وفى هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة، ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضا، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة؛ لأنها تستجاب ويحصل له مثلها".

الدعاء استراحة المؤمن من الهموم، وساحة مفتوحة لمن يريد حقه ممن ظلمه، وهو طريق ممهد لمن يطمع في الدرجات العليا في الدنيا والآخرة، وإذا كانت الحاجات كثيرة، والعمل لا يعين، فكان الدعاء والطلب ممن بيده تدبير الأمور، الذي يكشف الضر والسوء، ويجعل العسير يسيرا، والمستحيل ممكنا، قال الله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} (النمل:62).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة