نؤمن بكل ما أنزل الله من الكتاب

0 1805

أنزل الله سبحانه وتعالى على عدد من الأنبياء كتبا من عنده، تكون دستورا للأمم التي بعثوا لها، فنزلت التوراة على موسى عليه السلام حقا، والزبور على داود عليه السلام حقا، والإنجيل على عيسى عليه السلام حقا، وأنزلت الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقا، وأنزل خاتم الكتب: القرآن الكريم، على خاتم الأنبياء والمرسلين: محمد –صلى الله عليه وسلم-.

والواجب على العباد من كل أمة الإيمان بما أنزل الله من الكتاب على نبيهم، واتباع ما فيه، والاحتكام إليه، كذلك الواجب عليهم أن يؤمنوا بما أنزل الله من الكتب الأخرى على الأنبياء الآخرين؛ لأن المنزل واحد –سبحانه وتعالى-، فلا معنى للكفر بالكتب الأخرى مادام أن من تكلم بها واحد، فالكفر بواحد منها هو كفر بجميع الكتب، قال الله تعالى:{والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} (البقرة:285)، فالله سبحانه وتعالى امتدح المؤمنين في هذا السياق لإيمانهم بالكتب السماوية بدرجة واحدة، لا يفرقون بينها كما لا يفرقون بين الرسل من جهة الإيمان بهم.

والعمدة في ذلك هو قول الله تعالى: {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} (الشورى:15)، فالله جل جلاله قد أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يعلم الناس بإيمانه بالكتب السماوية كلها، ونفهم ذلك من التعبير القرآني: {كتاب} فهو اسم جنس يعم جميع تلك الكتب دون تفريق بينها، وهذا ما فهمه حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما من هذه الآية فقال: "لأسوي بينكم في الدين، وأؤمن بكل كتاب وكل رسول".

والتفريق بين الكتب السماوية هو تفريق بين الرسالات، وبين المرسلين، بالرغم من أن الذي أرسلهم واحد، ولذلك كان الإيمان الشامل بهذه الكتب هو العقيدة التي ينبغي أن يرتكز عليها المؤمن، ولا يقبل منه سواها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون* فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } (البقرة: 136-137) ، وكذلك في سورة آل عمران: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (آل عمران: 84)، فالموضعان القرآنيان يشددان على ضرورة الإيمان بهذه الكتب جميعا دون التفريق بينها، وجعل هذه المنظومة الإيمانية هي سبيل الهدى الأوحد، الموصل إلى رضوان الله وغفرانه: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} (البقرة: 139)، والإخلال بهذه العقيدة بل بجزء منها، مجافاة لصراط الله المستقيم، ومحاداة لله ورسوله، فعاقبتها الشقاق والاختلاف، والتنازع والافتراق، ومجانبة للحق، فالواجب هو الإيمان بجميع الكتب التي أرسلها الله على أنبيائه وعدم التفريق بينها.

ومواطن ذم اليهود في نصوص الوحيين كثيرة، ويأتي من ضمنها: مسلكهم في الإيمان ببعض ما أنزل الله من الكتاب والكفر بما أنزل على غيرهم من الأنبياء، وبذلك كفروا بالقرآن الكريم ولم يقبلوا به، قال الله تعالى ذاما لهم: { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} (البقرة:91)، وقد بين الإمام ابن القيم وجه الاستدلال من هذه الآية فقال: "هذه حكاية مناظرة بين الرسول –صلى الله عليه وسلم- وبين اليهود لما قال لهم: آمنوا بما أنزل الله، فأجابوه بأن قالوا: نؤمن بما أنزل علينا. ومرادهم التخصيص، أي: نؤمن بالمنزل علينا غيره، فظهرت عليهم الحجة بقولهم هذا من وجهين:

أحدهما:أنه إن كان إيمانكم به لأنه حق فقد وجب عليكم أن تؤمنوا بما أنزل على محمد، لأنه حق مصدق لما معكم، وحكم الحق الإيمان به أين كان، ومع من كان، فلزمكم الإيمان بالحقين جميعا أو الكفر الصريح، ففي ضمن هذا الشهادة عليهم بأنهم لم يؤمنوا بالحق الأول، ولا بالثاني.

وهذا الحكم في كل من فرق الحق، فآمن ببعضه، وكفر ببعضه، كمن آمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض، وكمن آمن ببعض الأنبياء، وكفر ببعض، لم ينفعه إيمانه حتى يؤمن بالجميع".

وما ذكره ابن القيم حق، فإن التفريق بين الرسل وما أرسلوا به، هو كفر بما أرسلوا له من دعوة الناس إلى عبادة الله وحده والكفر بما يعبد من دونه، لا سيما أن الأصول الاعتقادية وأصول الشرائع واحدة، فما وجه التفريق بينها في مسألة الإيمان؟

من هنا ندرك أن قول النصارى: نؤمن بأن القرآن كتاب منزل، ولكنه خاص بالعرب! هو كفر بواح لا تنفع معه هذه الحيدة أو المحاولة الفاشلة في قلب الحقائق؛ فإن الإيمان بأن القرآن كتاب سماوي أنزل من عند الله، هو إيمان بصدق كل ما جاء فيه، فإذا كانت الآيات تدعو فتقول: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (آل عمران:31)، وتقرر الحقيقة فتقول: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107)، وهذا النبي الذي جاء الأمر باتباعه يقول: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم، كان مجموع هذه الأدلة وغيرها يهدم هذه النظرية المتهافتة التي يحاول أن يروجها النصارى هذه الأيام طمعا في إيقاف انتشار الإسلام، ولكن هيهات أن ينطلي مثل ذلك على من آتاه الله بصيرة وهدى، لأن شعاره في حياته وبعد مماته: " نؤمن بكل ما أنزل الله من كتاب" أيا كان ذلك الكتاب.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة