عينان لا تمسهما النار

0 2380

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني، وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه عند أبي يعلى: (عينان لا تمسهما النار أبدا: عين باتت تكلأ المسلمين في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله).

التوجيه النبوي في الحديث

لا شك أن الهرب من النار والنجاة منها مطلب لكل مؤمن بالله واليوم الآخر، وهم يؤرق مضجع عباد الله الصالحين، وفوق ذلك: هو الفوز يوم القيامة {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} (آل عمران: 185)، ولذا يوجهنا النبي صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث - إلى سببين للنجاة من النار، هما: البكاء من خشية الله، والحراسة في سبيل الله، وسنتعرض لبيان كل منهما.

الأول: (عين بكت من خشية الله):

البكاء من خشية الله تعالى أصدق بكاء تردد في النفوس، وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة، والعين التي تذرف الدمع من خشية الله لن تمسها النار؛ لأن العين تتبع القلب، فإذا رق القلب دمعت العين، وإذا قسى القلب قحطت العين، قال الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد": "ومتى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله: القلب القاسي".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع، فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) رواه مسلم.

وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته فقال في محكم التنزيل: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا} (مريم: 58)، روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية، فسجد، وقال: هذا السجود، فأين البكي؟ يريد البكاء. و(البكي) جمع باك.

كما أن البكاء من خشية الله تعالى سبب للرحمة يوم العرض على الله جل وعلا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله...وذكر منهم: ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) رواه البخاري ومسلم.

الثاني: (وعين باتت تحرس في سبيل الله):

تعد الحراسة في سبيل الله من أعظم مراتب الجهاد؛ لأن الحراس إما أن يكونوا في مقدمة الصفوف لقتال الأعداء، أو يسهرون بالليل لحماية الجيش من الأعداء، يقول الإمام ابن النحاس: "اعلم أن الحراسة في سبيل الله من أعظم القربات، وأعلى الطاعات، وهي أفضل أنواع الرباط، وكل من حرس المسلمين في موضع يخشى عليهم فيه من العدو فهو مرابط"، ولكن بعض العلماء وسع مفهوم الحراسة، ولم يقصره على جهاد الكفار فحسب، قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" موضحا ذلك: "وهي مرتبة المجاهدين في العبادة، وهي شاملة لأن تكون في الحج، أو طلب العلم، أو الجهاد، أو العبادة، والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار، قال الطيبي: قوله: (عين بكت) هذا كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه، لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28)، حيث حصر الخشية فيهم غير متجاوز عنهم، فحصلت النسبة بين العينين: عين مجاهد مع النفس والشيطان، وعين مجاهد مع الكفار".

وعلى معنى الجهاد يقول الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لأن أبيت حارسا خائفا في سبيل الله أحب إلي من أن أتصدق بمائة راحلة".

ونختم بلطيفة ذكرها الإمام المناوي في "فيض القدير"، حيث قال: "سوى بين العين الباكية والحارسة؛ لاستوائهما في سهر الليل لله، فالباكية بكت في جوف الليل خوفا لله، والحارسة سهرت خوفا على دين الله"، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الباكين من خشيته، وأن يوفقنا لنكون من الحراس في سبيله.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة