ماذا يعني فوز أردوغان؟!

0 1034

على مدار الأسبوع الماضي كان الإعلام العربي ومواقع التواصل الاجتماعي في مختلف العواصم العربية مشغولة إلى حد كبير بمتابعة انتخابات رئاسة الجمهورية في تركيا، لا يختلف في ذلك من في القاهرة عمن في الرياض أو الكويت أو الدوحة أو أبو ظبي أو غير ذلك من العواصم، ناهيك عن الانشغال إلى حد الهلع في عواصم أخرى، مثل بغداد ودمشق، كنت تشعر أن هذه الانتخابات ليست انتخابات الشعب التركي وحده، وإنما انتخابات الشعوب العربية كلها.

 كان الانقسام في الموقف من أردوغان، فارس السباق الأول، قائما على أساس الفرز الذي أحدثه الربيع العربي، فكل من كان على خصومة وعداء مع الربيع العربي، حكاما أو نخبا فكرية وإعلامية أو حتى أحزابا وقوى سياسية فهؤلاء جميعا كانوا في المعسكر المعادي لأردوغان والذي يقود حملات التشويه ضده، ونشر الأمل بإسقاطه في الانتخابات، وإشاعة الأخبار عن تراجع شعبيته وعن الاحتجاجات الشعبية التركية ضده، والمعسكر الذي صنع الربيع العربي وعاش آماله وحلم بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية كان مؤيدا بكل قوة لأردوغان ومبشرا بانتصاره في الانتخابات، وكانت ليلة إعلان النتيجة أمس أشبه بأجواء نهائي بطولة رياضية كبيرة، جماهير تخرج في كل مكان منتشية ومحتفلة بالفوز، وأخرى منكسرة وتعيش حال الهزيمة والإحباط والانكسار.

هذا الذي حدث يعني أن نتائج انتخابات تركيا، والنتيجة التي حققها رجب طيب أردوغان ستكون لها آثارها الأكيدة على الخريطة السياسية في المنطقة العربية، وخاصة بعد أن حسم أردوغان موقفه السياسي والإنساني تجاه الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية على خلفية صراع ثورات الربيع العربي مع الثورات المضادة، فقد أعلن أردوغان انحيازه الكامل لثورة الشعب السوري، ودعم قواها بكل ما أتيح له رغم الضغوط والالتزامات الدقيقة لبلاده كجزء من حلف الأطلسي، وأصبحت اسطنبول عاصمة للثورة السورية وقواها السياسية المختلفة، أيضا حسم أردوغان موقفه تجاه الأحداث في مصر وأبدى انحيازه للديمقراطية التي أتت بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ورفض بكل قوة الإطاحة به واعتبرها انقلابا عسكريا، وللأتراك بشكل عام حساسية عالية تجاه تدخل الجيش في الحياة السياسية أو إطاحته بالقادة المنتخبين، نظرا للتاريخ الدموي والعنيف للعسكرية التركية والذي انتهى لكوارث سياسية واقتصادية وتنموية للبلاد، وزادت وتيرة غضب أردوغان بعد أحداث رابعة العدوية المروعة، فأصبح يحضر الاحتفالات التي تنتصر لضحايا رابعة ويرفع شارتها مع الحشود، وهو الأمر الذي أثار استياء واسعا في دوائر السلطة في مصر، كما لم يخف أردوغان استياءه الشديد من شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي وقد هاجمه بصفة مستمرة في الإعلام التركي والعالمي بدون أي احتراز.

نجاح أردوغان يعني
نجاح أردوغان يعني أن خمس سنوات مقبلة ستكون تركيا ظهرا وسندا قويا لقوى التحرر والديمقراطية في العالم العربي.
يعني أن الثورة السورية ستجد لها ظهرا قويا ودعما بلا حدود في معركتها من أجل إطاحة نظام الطاغية بشار الأسد.
ويعني انتصار أردوغان أن السنة في العراق سيجدون لهم ظهرا وسندا في معركة التهميش التي تخوضها قوى التطرف الطائفي هناك مدعومة بالنفوذ الإيراني والتواطؤ الأمريكي كما أن قوى الاعتدال السني سيكون لها دعم أمام قوى التطرف كداعش.

انتصار أردوغان يعني أن القوى الرافضة لغياب الديمقراطية في مصر والتي تطالب بعودة المسار الديمقراطي كاملا والحالمة بإعادة روح ثورة يناير ستجد دعما كبيرا من بلد بحجم تركيا، ولا يخفي أن تركيا حاليا أصبحت محطة لقطاعات واسعة من المعارضة المصرية ضد نظام السيسي من مختلف التيارات السياسية المدنية والإسلامية، وبشكل خاص الإسلامية، وهذا يعني منح تلك القوى شعورا متزايدا بالثقة في المستقبل وأن ظهرهم قوي وأن معركتهم تحمل طموحا واقعيا للانتصار.

فوز أردوغان يعني دعما سياسيا بالغ الأهمية للمقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، ويعني أن تستعد إسرائيل لإزعاج سياسي ودولي مؤلم جدا لمدة خمس سنوات مقبلة على الأقل، ويعني نشوة متجددة للمقاومة بأنها تملك سندا وظهرا قويا للمرحلة المقبلة.

فوز أردوغان يعني أن قوى التغيير والإصلاح في المنطقة العربية تملك الآن مشروعا حقيقيا متجسدا في دولة ديمقراطية ترفل في الحرية والتعددية وسيادة القانون والحداثة في أجلى صورها متزاوجة مع الأصالة والالتزام الديني، بدون أي حساسيات أو ادعاءات لأثر الدين في تعطل المسار الديمقراطي أو الحداثي أو حتى خطط التنمية، بل إن التنمية لم تحقق طفراتها الاقتصادية والعلمية والثقافية وعلى مستوى البنية الأساسية إلا بعد أن أتى هؤلاء الرجال الذين يحملون هذا المزيج الرائع من الحداثة والأصالة الإسلامية المستنيرة، الآن يملك العرب الطامحون للتغيير والإصلاح، وفي القلب منهم التيار الإسلامي، نموذجا عمليا رائعا يحتجون به أمام العالم، نعم لدينا مشروع، وهذا هو النموذج.

فوز أردوغان، على الجانب الآخر، مثل صدمة كبيرة وخيبة أمل لكل قوى الثورة المضادة في المنطقة العربية، وسوف يجعل الجميع مضطرين إلى إعادة حساباتهم للسنوات الخمس المقبلة على الأقل.

كذلك سيسبب هذا الفوز إرباكا لقوى التشدد الديني والتطرف التي تجتاح مناطق من سوريا والعراق مؤخرا، والتي كانت تتمنى أن يفشل المشروع الديمقراطي، لكي تثبت للتيار الإسلامي في كل مكان أن الديمقراطية مشروع فاشل وأنه لا بديل عن السلاح والدم لفرض الخيار السياسي. نجاح أردوغان يحبط تلك الرؤى ويثبت أنها لا تتأسس على حقيقة من الواقع، رغم الانتكاسات للمسار الديمقراطي في مناطق أخرى.

لهذا كله، كانت نتائج الانتخابات التركية مختلفة تماما عن نتائج أي انتخابات أخرى بالنسبة للعالم العربي، حتى لو كانت الانتخابات الأمريكية ذاتها، ولهذا كله أيضا، كان فوز رجب طيب أردوغان ليس كفوز أي زعيم سياسي آخر في العالم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة