- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:خواطـر دعوية
لحظة من فضلك
انتبه.. لحظة من فضلك..
قبل أن تقع المصيبة، قبل أن ينقضي الامتحان وتظهر النتيجة، فتكون على غير ما تحب، فتطلب فرصة أخرى وليس ثم من فرص..
لحظة.. قبل أن تنقضي الحياة وتنتقل إلى عالم آخر تتمنى فيه أن تعود لتحسن فلا يستجاب لك. قبل أن تدخل حفرة مظلمة ليس فيها من أب شفيق ولا أخ شقيق، ولا حتى صديق يؤنس وحشتك، أو يواسي غربتك..
قبل أن تسأل فلا تجيب، أو تؤمر فلا تستجيب، وتتمنى فلا تتحقق أمنيتك، وتتوسل فلا يسمع لتوسلك، وتبكي فلا ترحم دمعتك، وتصرخ فلا يلتفت إلى صرختك.
لحظة من فضلك..
لحظة.. فإن الأمر جد وأنت تهزل، والخطب جليل وأنت تهزأ، والعاقبة مروعة وأنت تجهل.
لحظة.. فإن ما أنت مقدم عليه أعظم مما تتصور، وأكبر مما تتخيل، وكل يوم يمر بك يقربك من قدرك المحتوم ويومك المعلوم، ولكنك لا تشعر.
لحظة.. تقتطعها من بين ثنايا لحظات انشغالك، تحاسب فيها نفسك وتقيم بها موقفك، وتعرف أين أنت اليوم، وأين ستكون غدا.
لحظة.. تجلس فيها مع نفسك، لتستيقظ من غفلتك، أو تصحو من غفوتك، قبل أن يأتيك أمر الله وأنت غير مستعد له.
لحظة.. لتنظر بعين عقلك لتعلم أن حياة الإنسان ليست مشهدا متاحا إعادته لاستدراك ما فات؛ أو إحياء ما مات، فحياتنا على الأرض مرة واحدة: "إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون".
لحظة.. قبل أن يأتي عليك يوم تتمنى فيه المهلة فلا تمهل أو ترجو أن ترجع للحياة فلا يمكن الرجعة: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون} (المؤمنون:99، 100)
لحظة.. قبل أن ينزل بك هادم اللذات، ومفرق الجماعات، قبل أن يأتيك الموت فتقول: {رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين . ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} (المنافقون: 10 ،11)
لحظة.. قبل أن تنتقل إلى دار الحسرات، ومحلة الندامات، قبل أن تأتي ساعة تتحسر فيها على ضياع حياتك في غير مرضاة ربك ومولاك وتقول: (يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (56) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين (58)(الزمر:56 ،57 ،58)
لحظة.. قبل أن يعلو صراخك متمنيا أن تعطى فرصة لتعمل الصالحات بدلا عما اقترفته من الطالحات؛ فلا يسمع نداؤك وصراخك، ولا يرحم بكاؤك ونواحك: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}(فاطر: 37).
جدوا.. واستعدوا
إن الدنيا ليست دار لهو ولعب، أو موطن إقامة وبقاء، أو حتى مرحلة يقضيها المرء وتنتهي بلا تبعات، إنما هي دار بلاء، وموطن امتحان واختبار وابتلاء، ومن ورائها يوم طويل يحاسب فيه الخلق على ما قدموا فيها، فإما شقي وإما سعيد، وإما مقرب وإما طريد، وإما من أهل الجنة وإما من أهل النار في دار خلود لا تنتهي، ونعيم أو جحيم دائم لا يفنى ولا ينقضي {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعلى الله الملك الحق لا إله هو رب العرش الكريم}
فتذكر وتيقن أن لك يوما سينقضي فيه أجلك، وينتهي فيه عمرك، تترك فيه هذه الدنيا وزينتها، ويحال بينك وبين ما تشتهي منها. فاخرج منها على أحسن حال لتنتقل إلى خير مآل.
واعلم أنك ستنزل بعد الموت حفرة في صدع من الأرض غير ممهد ولا موسد، وحيدا فريدا، فاجعل لك من طيب الأعمال ما يؤنس وحشتك ويرافقك في غربتك؛ فإن القبر إما روضة من الجنان، وإما حفرة من حفر النيران.
واعلم أن لك ربا لا مفر من لقائه والوقوف بين يديه للسؤال والجزاء؛ فأعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا، واعلم أن الناقد بصير لا تخفى عليه خافية {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}(الحاقة:19)
وأما ما فات من عمري وعمرك فإنما نتداركه بالندم على السيئات والتوبة من الزلات والخطيئات.
وأما ما بقي من هذه الأعمار فإنما يصلحه العزم على ملازمة الطاعات، والسير على هدي خير البريات، والسعي في رضا رب الأرض والسموات..
فمن أحسن فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما}(النساء:146)
فاللهم اغفر لنا ما مضى من الذنوب، وأصلح لنا ما بقي من العمر، واجعل خير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك.. آمين.