الإسلام والإرتقاء العقديّ للإنسان 2

0 1200
  • اسم الكاتب:أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب

  • التصنيف:تعزيز اليقين

لازلنا نخوض في غمار الأديان، بغية مقارنتها بدين الإسلام، حتى نسهل المهمة على معتنقي اللاأدرية Agnosticisme، وأصحاب اللادينية الربوبية Le déisme الباحثين عن الدين الحق.

وقد رأينا في المقال السابق المنشور، كيف أن الدين اليهودي نسب إلى الله العظائم والقبائح، تعالى الله سبحانه، وهم وغيرهم داخلون في الآية المجيدة : { وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } ( الزمر : 67).

والنصارى يؤمنون بالعهد القديم والجديد معا، ويلتقون مع اليهود فيما ذكرناه سابقا، بل وأضافوا إليها عظائم أخرى سنبينها لك في لاحق المقال، حتى تعلم بأن الدين الوحيد الذي عظم الله تعالى، ونسب إليه معقول الصفات وأفضلها هو الإسلام، فتفوق على كل أديان الأرض في كل شيء، وهو مؤشر واضح للمتفكر يشير إلى أنه الدين الذي ارتضاه الخالق للبشرية.

وهذه النتيجة معروفة لكل علماء الأديان المقارن، يعرفها الرهبان قبل العوام . ونشير هنا إلى حقيقة تجمع الأديان الوثنية، هي تقديس مختلف الكائنات والحيوانات، وقد كانت تلك الوثنيات منتشرة في المجتمع اليهودي والروماني، مما جعل المحرفين بغية كسب أتباع جدد يلوون أعناق النصوص ويضيفون ما يستميل قلب أولئك الوثنيين، لكن الإسلام لما جاء كان من أولوياته نفض الغبار عما علق في الأديان من ضلالات، فحقق بذلك الارتقاء العقدي في أبهى تجلياته، فحول أمما كاملة من الوثنية إلى التوحيد.

نماذج لهذه الضلالات:
*تشبيه الرب بالخروف : ففي رؤيا يوحنا : " هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون. " الإصحاح 17، 14"

ومثل هذا مرفوض عندنا في الإسلام أيها المنصف، فهل ترضى أن تتبع دينا يصف الإله الخالق تعالى بالخروف ؟ إنها لعظيمة من العظائم وكبيرة من الكبائر، في حين أن الإسلام لن تجد فيه شيئا كهذا بالمطلق، بل القاعدة التي رسختها الآية الكريمة : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (الشورى : 11). فلا مثيل له سبحانه، ولا شبيه، فضلا عن أن تضرب له مثل هذه الأمثال ويدعي باطلا هؤلاء صفاتا يشيب لها الولدان.

*الرب كالأسد المفترس : هوشع : " لأني لأفرايم كالأسد، ولبيت يهوذا كشبل الأسد فإني أنا أفترس وأمضي آخذ ولا منقذ. " الإصحاح 5، 14.

*الرب يحويه رحم امرأة تسعة أشهر : إنجيل لوقا : " فقد ولد من فرج امرأة متلبطا بدمها وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد " الإصحاح6، 2.

وعقيدة النصارى قائمة على أن المسيح عليه السلام، هو الخالق للكون، وأنه تجسد في صورة بشر لينقذ الناس ويخلصهم من ذنب لم يقترفوه وهو عصيان آدم للرب.
فإن تعجب فعجب من إله ترك كل الحلول الأخرى المتاحة ليختار التجسد، والعيش في رحم امرأة ثم عيش الطفولة إلى مرحلة الرشد، من أجل ذنب لم يقترفه لأجل الناس!

أما الإسلام فحاسم في هذه المسألة فالله تعالى لا يؤاخذ الناس بذنوب الآباء أو الأجداد : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } ( الأنعام : 164).

والله تعالى قضى في أمر آدم قبل أن تأتي ذريته : { وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } ( طه : 121-122). فاستغفر آدم لذنبه فتاب عليه الله تعالى وقضيت المسألة .

*يسوع المسيح يختن ويعمد : ففي إنجيل لوقا : " ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع" لوقا 2/21. أما حكاية تعميده من طرف يوحنا المعمدان : " جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه " إنجيل متى : 13/3.

ويسوع عندهم هو الرب فتأمل لجراءتهم وبطلان عقيدتهم ؟ والختان والتعميد هي طقوس دينية، وعبادات يتقرب بها الناس إلى الرب، فما جدوى عمله لذلك؟ فهل يتقرب بها إلى نفسه وهو الرب؟.

*نسبة التعب والنوم والاكتئاب والبكاء إلى يسوع : متى 24/8 : " وكان هو نائما "، يوحنا 4/6 : " كان يسوع قد تعب من السفر "، مرقس 14/33 : " وابتدأ يدهش ويكتئب "، يوحنا : " بكى يسوع ".

أما في العقيدة الإسلامية فكل هذه افتراءات، فالله تعالى لا يتعب ولا يكتئب ولا يبكي ولا ينام، بل هو تعالى مطلق القدرة الإله الحق، لا يستطيع كائن واحد ضره أو نفعه، سبحانه وتعالى عما يشركون.

*الرب عند النصارى يتعرض للاختبار من الشيطان! : أما هذه فعجيبة العجائب، أن يتجرأ مخلوق على إمتحان الرب بل ومحاولة إغواءه، حيث تقرأ في متى : " قال له – الشيطان- : أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي، حينئذ قال له يسوع : اذهب يا شيطان، لأنه مكتوب : للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" 4/9-10.

وإنجيل مرقس يذهب أبعد من ذلك، فقد اختبره الشيطان لمدة أربعين يوما ! : " وللوقت أخرجه الروح إلى البرية وكان هناك في البرية أربعين يوما يجرب من الشيطان " 1/12.

أما إنجيل لوقا فيخبرنا أنه لم يكن امتحانا واحدا بل اختبارات عديدة : " ولما أكمل إبليس كل تجاربه فارقه إلى حين " 4/13.

أما أنه يأكل ويشرب ويجوع ويعطش فالنصوص كثيرة تنسب إليه ذلك ! وحتى لا نطيل المقام أكثر فكتاب النصارى معظمه مليء بهذه الطوام، نكتفي بذكر الآتي :
أن يسوع – إله النصارى – قبضوا عليه، وأهانوه ولطموه، وجلدوه، بل وبصقوا على وجهه ولكموه، ثم صلبوه !! وتجد هذا في النصوص التالية :

*إنجيل يوحنا : " قبضوا على يسوع وأوثقوه ومضوا به " 12/13.. " والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به، وهو يجلدونه، وغطوه، وكانوا يضربون وجهه " لوقا 22/63 .. " وحينئذ بصقوا في وجهه ولكموه آخرون لطموه " متى 26/67 .. ثم بعد ذلك يخبرنا إنجيل يوحنا، أنه حكم عليه بالصلب، وخرج حاملا صليبه أمام الناس وهم يستهزئون به، ثم علقوه فأسلم الروح ومات، ثم طعنه أحدهم بحربة، ثم دفن ..

وكل هذا نستشف منها صفات، العجز والذل، والضعف، والموت، وغيرها .. وهي صفات لا تليق بخالق الكون، تعالى عما يصفون .

وقد صدق الإمام ابن القيم رحمه الله لما أنشد :
أعباد المسيح لنا سؤال نريد جوابه ممن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم أماتوه فما هذا الإله ؟
وهل أرضاه ما نالوه منه فبشراهم إذا نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه فقوتهم إذن أوهت قواه
وهل بقى الوجود بلا إله سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ثوى تحت التراب وقد علاه ؟
وهل خلت العوالم من إله يدبرها وقد سمرت يداه ؟
وكيف تخلت الأملاك عنه بنصرهم وقد سمعوا بكاه ؟
وكيف أطاقت الخشبات حمل الإله الحق شدا على قفاه
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه -1-

وكل تلك النصوص محرفة لم يعشها النبي المسيح عليه السلام، فضلا عن أن يعشها الرب متجسدا، سبحانه وتعالى عما يصفون. وقد حرصنا في المقالة على إبراز بعض النصوص وكتابتها، وإن صدم منها أهل الحق والفطر السوية والعقول النيرة، حتى تعلم أيها القارئ أننا لسنا نأتي بالكلام كذبا من عندنا، بل هذا الحاصل في الأديان العالمية، وسنرى بعض ضلالات الهندوسية في الجزء الثالث من المقالة .

والذي يهمنا إبراز ذلك الارتقاء العقدي الذي يدعو الإسلام البشرية إليه، فإن اشتقت لقراءة شيء من ذلك، فافتح القرآن الكريم، وعش مع أنواره والمس حكمته وتدبر صفات الإله الحق، فتوقن أن الإسلام هو سيد الأديان .

هوامش المقال
-1- إغاثة اللهفان، لابن القيم : 2/ 290.
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة