إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

0 1384
  • اسم الكاتب:ناصر بن سليمان العمر – موقع المسلم

  • التصنيف:أحوال القلوب

حين يكون الحديث عن خليل الرحمن ومن خلال القرآن، فإنه حديث يأخذ بالألباب، ومجلس كهذا لا يراد منه الإحاطة بحديث القرآن عنه، ولكن هي إشارة إلى آية واحدة فقط، جاءت ضمن تزكية الله له بقوله: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات:84]، وهنا ينبغي لقارئ القرآن أن يطرح السؤال التالي: ما القلب السليم؟ الذي أثنى الله به على خليله إبراهيم؟
وأقرب ما قيل في ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله حين قال: "هو الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله، في خوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق"(إغاثة اللهفان: ص: [7]).
وإبراهيم عليه السلام الذي جعله الله إماما كان نقي السريرة، سليم القلب، شهد الله له بذلك: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات:84]، ولا شك أن إبراهيم عليه السلام الذي رأينا بعض صفاته وأفعاله وبلاءه، لا شك أنه يحمل قلبا سليما خيرا.

لم ينقل عنه أنه دعا على أحد من أعدائه، برغم الأذى الذي ناله، بل المنقول دعاؤه لهم: {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم من الآية:36]، أما دعاؤه للمؤمنين فما أكثره في القرآن والسنة، ودعاؤه لأهل مكة بالبركة مشهور معروف، حتى إننا نرى أثره اليوم.
ومما يظهر سلامة قلبه عليه السلام دعاؤه لأبيه حتى تبين له أنه عدو لله، فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه.

ومن تأمل سيرته وجد سلامة قلبه عليه السلام في حواراته ومناقشاته وبعده عن حظ النفس، فقد كان يدرك عليه السلام ما لسلامة القلب من الأثر، بل كان ذلك همه؛ ولهذا لما دعا قال: {ولا تخزني يوم يبعثون . يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء:78-98]، وكلنا نحتاج إلى ذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

فيا معاشر الدعاة والمربين! ربوا الأجيال على طهارة القلوب وسلامتها من أدوائها، من الغل والحسد والبغي حتى على الخصوم! وأقول: بعض المنتسبين إلى الدعوة والعلم -هداهم الله- يربون أجيالا على الحقد والبغض، يلوثون قلوب الناشئة ببغض علمائهم ودعاة الإسلام الذين بين أظهرهم، فليتهم يسيرون مع إخوانهم من المسلمين بسيرة إبراهيم مع أعدائه!
لم يؤثر عنه عليه السلام أنه دعا على أحد من قومه، بل تجد منه الدعاء بالهداية، والرغبة في استقامتهم، تجد عفة اللسان، تجد الحكمة.

فانظر إلى قلبك أخا الإسلام! فأنت وحدك دون الناس من يبصره! قد ينظر الناس إلى هيئتك، إلى عملك، إلى تصرفاتك، إلى سلوكك، لكنهم لا يرون ما انطوى عليه قلبك، فانظر أنت إلى قلبك وفتشه، هل فيه غش؟ هل فيه حقد؟ هل فيه مرض؟ قبل أن يجيء العرض على ربك الذي لا تخفى عليه خافية {يوم تبلى السرائر} [الطارق:9] هناك {وحصل ما في الصدور} [العاديات:10].

واعلم أن سلامة القلب غنم لك في العاجل والآجل، ولقد رأيت عددا من الناس ممن عرفوا بمسامحة الناس وسلامة الصدر، رأيتهم يعيشون في راحة بال وسعادة وهناء.

والمقصود فتش قلبك، وانظر حالك، وحذار حذار من أن تنطوي نفسك على الحقد والغل والحسد وأمراض القلب وأدوائها، فإنها قد تقضي على صاحبها في الدنيا، فما بالك في الآخرة؟ ولن ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلب سليم، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة