علوم الحديث من القرن السابع إلى القرن العاشر

0 2132

هذا هو الدور الخامس من الأدوار التي مرت بها علوم الحديث ، وفيه بلغ التصنيف لهذا العلم كماله التام ، فوضعت مؤلفات استوفت أنواع هذا العلم ، وجمعت إلى ذلك تهذيب العبارات وتحرير المسائل بدقة ، وكان أصحاب تلك التصانيف من الأئمة الكبار الذين أحاطوا بالحديث حفظا ، واضطلعوا من فنونه وأحوال أسانيده ومتونه دراية وعلما ، على غرار الأئمة السابقين الكبار .

وكان رائد هذا التحول العظيم في تدوين هذا الفن الإمام المحدث الحافظ الفقيه الأصولي أبو عمرو عثمان بن الصلاح المتوفى سنة (643هـ) ، في كتابه المشهور علوم الحديث ، فقد جمع فيه ما تفرق في الكتب السابقة ، واستوفى أنواع علوم الحديث ، وامتاز عما سبقه بما يلي :

1. الاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من أقوالهم المأثورة عنهم .
2. أنه ضبط التعاريف التي سبق بها وحررها ، وأوضح تعاريف لم يصرح بها من قبله.
3. أنه عقب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاداته .

وهكذا جاء كتابه متكاملا في فن التصنيف ، وكان فتحا في تدوين هذا العلم ، وابتداء عهد جديد له ، نال من العلماء حظوة ، وطارت شهرته في الآفاق ، وعم الثناء عليه ، حتى صار صاحبه يعرف به فيقال : " صاحب كتاب علوم الحديث".

وقد أصبح الكتاب إماما يحتذى ومرجعا يقتدى به ، فعول عليه كل من جاء بعده ، فمنهم من اختصره ، ومنهم من نظمه شعرا ، ومنهم من شرحه وعلق عليه ، لكن المصنفين في هذا الدور ، كانوا كما قدمنا أئمة أجلة فلم يقلدوه في القواعد العلمية ، بل اجتهدوا رأيهم وكثيرا ما ناقشوه أو خالفوه فيما قرره .

ومن أهم المؤلفات في هذا الدور بعد كتاب ابن الصلاح :

1. الإرشاد : للإمام يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة (676هـ) لخص فيه كتاب ابن الصلاح ثم لخصه في كتاب التقريب والتيسير لأحاديث البشير النذير .

2. التبصرة والتذكرة : وهي منظومة في ألف بيت للإمام الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة (806هـ) ، ضمنها كتاب ابن الصلاح وتعقبه ، وزاد عليه مسائل نافعة ، ثم شرحها شرحا قيما.

3. التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح : وهو شرح للحافظ العراقي أيضا وضعه على كتاب ابن الصلاح ، ويسمى أيضا (النكت) .

4. الإفصاح على نكت ابن الصلاح : للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) ، وهو مخطوط في الهند .

5. فتح المغيث شرح ألفية العراقي في علم الحديث : للحافظ شمس الدين محمد السخاوي المتوفى سنة (902هـ) ، وقد امتاز بالتحقيق والتتبع للمسائل في كتب السنة وعلوم الحديث ، طبع في الهند في مجلد ضخم .

6. تدريب الراوي شرح تقريب النواوي : للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة (911هـ) ، ويغلب عليه طابع الجمع ، وإن كان لا يخلو من مناقشات مفيدة .

7. نخبة الفكر وشرحه نزهة النظر : كلاهما للحافظ ابن حجر.

وغير ذلك من التآليف التي جاءت بعد ابن الصلاح ، والتي يصعب حصرها في هذا المقام وقد بني كثير منها على كتابه .

لكن يلاحظ المتأمل أن الأنواع لم ترتب في كتاب ابن الصلاح على نظام مطرد ، فتراه يبحث في نوع يتعلق بالسند مثلا ، ثم ينتقل إلى نوع يتعلق بالمتن أو بهما معا ، والسر في ذلك كما ذكر البقاعي أن ابن الصلاح أملى كتابه إملاء فلم يقع مرتبا ، لكن العلماء تابعوه على هذا الترتيب ، لأن الكتاب أصبح قدوة في هذا الفن ، اللهم إلا كتاب نخبة الفكر وشرحه للحافظ ابن حجر فإنه على وجازته امتاز بغزارة فائدته واستقلال شخصية مؤلفه فيه ، وامتاز كذلك بأن الحافظ قد وضعه على ترتيب جديد ، لم يسبق إليه ، وهو أسلوب السبر والتقسيم في ترتيب كثير من أنواع الحديث .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة