- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
البنات نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ علينا، متى ما قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، وكان عدم حبهم لها والخوف من عارها يحمل بعضهم على كراهتها بل وعلى قتلها ووأدها، كما قال الله تعالى ـ عن ذلك: { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون }(النحل الآية 58: 59)، وقال: { وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت }(التكوير الآية: 8: 9) .
حتى بعث الله نبينا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجرم وحرم هذه الفعلة الشنعاء وهي وأد البنات، فعن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه البخاري .
قال ابن حجر في " فتح الباري": قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ووأد البنات ) هو دفن البنات بالحياة, وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن " .
وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها ـ يعني الذكر ـ أدخله الله بها الجنة ) رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ أحمد شاكر ..
وهذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان صراحة على أن البنات كن محلا لجهالات وبغض بعض العرب إبان بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
لم يكتف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي الشديد عن وأد البنات، بل جاء معتنيا بهن، بغية تصحيح مسار البشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة، وتكريما للبنات وحماية لهن، وحفظا لحقوقهن، بل وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة بالإحسان إليهن، ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية، ومن ذلك :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) رواه مسلم .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل (فقيرة)، فلم تجد عندي شيئا غير تمرة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار ) رواه البخاري .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( من عال ابنتين أو ثلاثا، أو أختين أو ثلاثا، حتى يبن (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين - وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن وسقاهن، وكساهن من جدته (سعته وطاقته)، كن له حجابا من النار يوم القيامة )، وفي رواية الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يحدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عددا من البنات، فقال: ( من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابا من النار ) .
قال النووي: " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من ابتلي بشيء من البنات ) إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العاد،ة وقال الله تعالى: { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم }( النحل الآية 58) " .
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو ابنتان أو أختان، فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة ) رواه الترمذي .
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث: ( أو ) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( من كان له ثلاث بنات يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة ألبتة، قيل يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدة، لقال: واحدة ) رواه أحمد وصححه الألباني .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا كن له سترا من النار ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
قال المباركفوري: " واختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره " .
وفي هذه الأحاديث تأكيد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حق البنات على آبائهم أو من يقوم على تربيتهن، وذلك لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن، وليست القضية طعاما ولباسا وتزويجا فقط، بل أدبا ورحمة، وحسن تربية واتقاء لله فيهن، فالعول في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن، من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح، بالتعليم والتهذيب والتوجيه، والأمر بالخير والنهي عن الشر، وحسن التربية، وهذه فائدة جمع الروايات في الحديث .
قال النووي: " ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما " .
وقال ابن باز: " وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن، رغبة فيما عند الله ـ عز وجل ـ فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، ويرجى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حق من عال ثلاث بنات، وفضل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل .. "، وقال: " الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن، وتنشئتهن على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وبذلك يعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا " .
لقد رفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيمة ومنزلة البنات، وجعل لمن رزقه الله بنات بل بنتا واحدة من الفضائل والمنح، ما تمتد نحوها الأعناق، وتهفو إليها القلوب .. فيا عائلا للبنات، أبشر بحجاب من النار، وأبشر بالجنة بصحبة النبي المختار ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو القائل: ( من عال ابنتين أو ثلاثا، أو أختين أو ثلاثا حتى يبن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين - وأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها ) .