- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:أركان الدعوة
الإنسان مدني بطبعه، لا يعيش منفردا، وإنما يعيش مع غيره في مجتمع من الناس.. فالاجتماع والعيش مع الناس بالنسبة له ضرورة.
وإذا كان المجتمع ضروريا؛ فإن من الضروري أيضا أن يكون هناك نظام يحكم هذا المجتمع، ويضبط له قواعد التعامل، ويتضمن الحدود التي يجب أن يقف عندها كل فرد، ويلتزم بها في سلوكه تجاه الآخرين.
وهذه الأحكام والقواعد والضوابط هي التي تسمى بالنظام..
وأي نظام لابد له من أساس يقوم عليه، وأصول وأفكار ينبني عليها، ويكون صلاحه وفساده مرده إلى صلاح وفساد هذا الأساس وتلك الأصول والأفكار، وعليها أيضا يكون صلاح هذا المجتمع أو فساده وسعادته أو شقاؤه.
وعليه فمن أراد السعادة والصلاح فعليه أن يتخير ويتحرى ويبحث عن النظام الصالح ذي الأساس الصالح والأصول والأفكار الصالحة.
ومن نعمة الله علينا ـ نحن المسلمين ـ أن الله كفانا مؤنة هذا البحث، ووهبنا سبحانه نظاما اختاره هو لنا، ورضي لنا به، وضمنه كل أسباب السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، وهذا النظام هو ما يسمى بالنظام الاجتماعي في الإسلام.
العقيدة هي الأساس:
قلنا إن كل نظام له أساس يقوم عليه، والنظام الاجتماعي في الإسلام أساسه الأول هو العقيدة الصحيحة، فعليها يقوم هذا النظام وعليها يقوم الإسلام كله.
لماذا العقيدة؟
كان اختيار العقيدة كأساس لنظام المجتمع المسلم لعدة أمور :
الأول: أنها تعرف الإنسان مركزه في الحياة، والغرض من خلقه، وعلاقته بخالقه، وعلاقته بالكون وكل ما فيه ومن فيه.
ثانيا: العقيدة هي الموجه الأساسي لأفكار الإنسان وسلوكه وسائر تصرفاته، وعلى حسب عقيدة الإنسان تكون أخلاقياته فهي التي تحكمها وتضبطها وتؤطرها، وتحكم على حسنها من سيئها، وطيبها من خبيثها، وجميلها من قبيحها.
ثالثا: العقيدة هي الأصل الوحيد الذي يمكن أن يجتمع تحته كل طوائف المجتمع على اختلاف مشاربه، بخلاف جامعة القومية أو الجنس أو النسب أو العرق؛ وقد جمع الإسلام بهذه العقيدة بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وأبي بكر القرشي، وانصهروا جميعا في بوتقة الإسلام إخوة متحابين.
وعليه فكل من حمل هذه العقيدة كان أهلا للانتماء لهذا المجتمع، والتمتع بمزاياه، وكذلك تحمل تبعات رفعته ونصرته والدفاع عنه، مهما كان جنسه أو لونه أو قبيلته.
أما من رفض اعتناق العقيدة الإسلامية، فإن المجتمع المسلم لا يرفض قبوله كعضو فيه إذا رغب في الانتماء إليه، على أن يعلن ولاءه له، وخضوعه لنظامه، وله أن يتمتع بحقوقه العامة والخاصة، وبحماية تامة لنفسه وعرضه وماله، وحرية كاملة في معتقده وعدم إكراهه على تغيير دينه، والتاريخ شاهد على حسن معاملة المجتمع المسلم لغير المسلمين، حتى يمكن القول بأنهم لم ينعموا بحرية مثل تلك التي نعموا بها في المجتمعات المسلمة، وما أمنوا على انفسهم وأموالهم في مكان كما حدث لهم في بلاد الإسلام، ولا عانوا يوما في أي مجتمع مسلم من اضطهاد ديني أو عقدي على عكس المسلمين الذين عاشوا في أي مجتمع لا يدين بعقيدة الإسلام.
نتائج هذا الاختيار:
ترتب على اختيار العقيدة كأساس للنظام الاجتماعي في الإسلام عدة أمور:
أولا: الرابطة الإيمانية:
حيث يعتبر الإسلام المؤمنين جميعا إخوة {إنما المؤمنون إخوة}(الحجرات:10)، وفي الحيث [المسلم أخو المسلم]. وعلى أساس هذه الرابطة تكون الموالاة والنصرة، ولا ينكر الإسلام والروابط الأخرى كرابطة النسب أو الإقليم لكن بشرط ألا تصادم أو تعلو على رابطة الإيمان.
وأما غير المسلمين، فإذا فاتهم رابطة الدين والإيمان فلن تفوتهم حماية المسلمين وعدالة الإسلام وبر المجتمع، وهذا واضح في قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ۚ إن الله يحب المقسطين}(الممتحنة:8)، وقوله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ۖ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله ۚ إن الله خبير بما تعملون}(المائدة:8).
ثانيا : زوال العصبية:
والمقصود العصبية المذمومة المبنية على الباطل أو المؤدية إليه؛ كما كان الحال عند العرب قبل الإسلام، فكان مفهوم النصر عندهم على الخير والشر، أو على الحق والباطل.. حتى قال قائلهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت .. غويت وإن ترشد غزية أرشد
وقال الآخر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم .. للحادثات على ما قال برهانا
فجاء الإسلام فغير هذا المفهوم وهذبه، وجعل النصرة إنما هي على الحق، وتغير مفهوم [انصر أخاك ظالما أو مظلوما] إلى رده عن ظلمه ومنعه منه؛ كما في البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره].
فكل عصبية غير التعصب للحق والدين ممقوتة ملعونة؛ كما روي عن جبير بن مطعم قال صلى الله عليه وسلم: [ليس منا من دعا إلى عصبية، و ليس منا من قاتل على عصبية، و ليس منا من مات على عصبية](رواه أبو داود وسكت عنه ،وحسنة السيوطي، وضعفه الألباني).. ووقد جاء في صحيح مسلم عن جندب بن عبدلله قال صلى الله عليه وسلم: [ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية] وقال صلى الله عليه وسلم عن العصبية أيضا: [دعوها فإنها منتنة](رواه البخاري ومسلم).
ثالثا: التفاضل بالتقوى:
انتهى الفخر بالأحساب، والرفعة بالأنساب، وصار ميزان التفاضل بين أبناء الأمة جميعا بالتقوى؛ فانفتح بذلك الباب للتنافس في الفضائل، واكتساب المكارم، والمسابقة إلى الخيرات [ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه](رواه مسلم).
فالفخر الحقيقي إنما هو بالإيمان، والعز الحقيقي إنما يقوم على التقوى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(الحجرات )
ألا إنما التقوى هي العز والكرم .. وحـبك للدنيـا هو الذل والسـقم
وليس على عبد تقي نقيصة .. إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يراجع كتاب (أصول الدعوة: لعبد الكريم زيدان)