- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم
نبينا صلى الله عليه وسلم هو خير أسوة وأفضل قدوة، بما اشتهر به من جمال الخلق والخلق، وحسن السمت وطيب الرائحة، وكان من شأنه وصفته التي عرف بها بين أصحابه: رائحته الطيبة، فكان إذا صافحه أحد يعرف ذلك من أثر طيب يده التي صافح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وكان صلوات الله وسلامه عليه يحب الطيب، ويأمر به خاصة في يوم الجمعة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة فأحسن الغسل، وتطهر فأحسن الطهور، ولبس من أحسن ثيابه، ومس ما كتب الله له من طيب أو دهن أهله، ثم أتى المسجد، فلم يلغ، ولم يفرق بين اثنين، غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه الطبراني.
فالطيب والعطر سنة نبوية، وله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شأن وأهمية، وهو من الأمور التي حببت إليه من أمور الدنيا، وأمر بها صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يحب الطيب، ويأمر به). قال ابن القيم: "لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطية القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدماغ والقلب، وسائر الأعضاء الباطنية، ويفرح القلب، ويسر النفس، ويبسط الروح، وهو أصدق شيء للروح، وأشد ملاءمة لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة، كان أحد المحبوبين من الدنيا إلى أطيب الطيبين صلوات الله عليه وسلامه". وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حبب إلي من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) رواه النسائي. قال ابن القيم: "هذا لفظ الحديث، ومن رواه: "حبب إلي من دنياكم ثلاث" فقد وهم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها، وكان النساء والطيب أحب شيء إليه صلى الله عليه وسلم". وقال النيسابوري: "مراده صلى الله عليه وسلم أن يفهم السامع أن ما حبب إليه من أمور الدنيا ليس يلهيه عن أمور الآخرة وطلبها، فأشار إلى أن الصلاة -المتضمنة لمناجاته ربه- تسمو على ما حبب إليه من أمور الدنيا، فهي تشغله عن ذلك، لا أن الصلاة مما حبب إليه من أمور الدنيا فتأمل". وعن أنس رضي الله عنه قال: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها) رواه أبو داود. (سكة) بضم السين المهملة وتشديد الكاف: نوع من الطيب عزيز، وقيل: وعاء يوضع فيه الطيب، والظاهر أنه المراد هنا.
الطيب لا يرد
ما عرض عليه صلى الله عليه وسلم طيب قط فرده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح، خفيف المحمل) رواه أبو داود، وصححه الألباني، وفي رواية مسلم: (من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح). قال المنذري: "ويحتمل أن يراد بـ (الريحان) جميع أنواع الطيب، يعني مشتقا من الرائحة". وقال النووي: "وفي هذا الحديث: كراهة رد الريحان لمن عرض عليه إلا لعذر". وقال ابن العربي: "إنما كان لا يرد الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه يناجي من لا نناجي، وأما نهيه عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه، لأنه مردود بأصل الشرع".
فائدة: تطيب وتعطر المرأة
استعمال المرأة الطيب والعطر له حالتين، يختلف حكمهما بحسبهما، وبيان ذلك:
الحالة الأولى: استعماله للزوج، فهو مستحب ومندوب، وهو داخل في أمره صلى الله عليه وسلم بالطيب، وذلك لأنه من حسن المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، وهو أدعى لزيادة المودة وتأكيد المحبة بينهما، وذلك حين يعتني كل منهما بما يحبه الآخر، قال المناوي: "أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب، قال بعض الكبراء: تزين المرأة وتطيبها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما، وعدم الكراهة والنفرة؛ لأن العين رائد القلب، فإذا استحسنت منظرا أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة، وإذا نظرت منظرا بشعا أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب، فتحصل الكراهة والنفرة، ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن: إياك أن تقع عين زوجك على شئ لا يستملحه، أو يشم منك ما يستقبحه".
الحالة الثانية: وضع الطيب والعطر والخروج به بقصد أن يجد ريحه الرجال الأجانب فهذا محرم، والنبي صلى الله عليه وسلم سد ذرائع الشر، وأغلق أبواب الفتنة حرصا على سلامة قلب المسلم وطهارة نفسه، ومن ثم نهى النساء عن التطيب والتعطر عند غير زوجها ومحارمهن من الرجال، وقد وردت في ذلك جملة من الأحاديث النبوية الشريفة منها: ما رواه الطبراني وصححه الألباني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فهي زانية) ليس معناه أنها زانية حقيقة، وأن ذلك يبيح قذفها بالزنا، وإنما سميت زانية مجازا، مبالغة وتهديدا وتشديدا عليها، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم في "صحيح مسلم": (فالعينان زناهما النظر). قال المناوي: "(أيما امرأة استعطرت) استعملت العطر، أي الطيب الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها، (فمرت على قوم) الرجال (ليجدوا) أي لأجل أن يشموا (ريحها) أي: ريح عطرها، (فهي زانية) أي: هي بسبب ذلك متعرضة للزنا، ساعية في أسبابه، داعية إلى طلابه، فسميت لذلك زانية مجازا". وعن زينب الثقفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) رواه مسلم.
قال الإمام هبيرة الشيباني: "في هذا الحديث كراهية الطيب للنساء اللاتي يشهدن الجماعة، فإذا خالفت امرأة وتطيبت، فلا تشهد الجماعة حتى يذهب ريح الطيب، وهذا لأنه يوجب الالتفات إليها ويثير الشهوة". وقال ابن دقيق العيد: "وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال". فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن التطيب حال خروجها إلى المسجد فعند خروجها إلى غيره أولى.
لقد علمنا صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية كيف يكون المؤمن معتنيا بمظهره كاعتنائه بمخبره، ليتحقق التوازن المنشود في الشخصية المسلمة، من جمال الظاهر والباطن، وحسن السمت والمظهر، وجمال السلوك والأخلاق. قال ابن القيم في كتابه الطب النبوي: "وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، وهذا وإن كان في النساء والرجال، فإنه يتناول الأعمال والأقوال، والمطاعم والمشارب، والملابس والروائح".