كظم الغيظ

0 1907

عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظـا وهو قـادر على أن ينفذه، دعـاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين مـا شـاء) رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه البخاري في "صحيحه".

(كظم غيظا) أي سكت عليه، ولم يظهره بقول أو فعل، مع قدرته على إيقاعه بعدوه، قال الإمام ابن عطية: "كظم الغيظ: رده في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته، فضبطه ومنعه"، وقال أيضا: "الغيظ: أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسر بعض الناس الغيظ بالغضب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغيظ: فعل النفس، لا يظهر على الجوارح. والغضب: حال لها معه ظهور في الجوارح، وفعل ما ولا بد، ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يسند إليه تعالى غيظ".

يحرص الشيطان دائما عند المنازعات والخصومات على أن يثير غيظ بني آدم وغضبه؛ لأن ذلك يسهل سيطرته عليهم، ويدفعهم بذلك إلى شرور غير متوقعة. وكان إبليس يعرف ذلك عن آدم عليه السلام وذريته منذ بداية الخليقة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف، عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك) رواه مسلم.

ومعنى (لا يتمالك) أي: ليس لديه القدرة على أن يملك نفسه عند الغيظ والغضب، أو لا يملك نفسه، ويحبسها عن الشهوات، أو لا يملك دفع الوسواس عنه -كما ذكر ذلك الإمام النووي-، ومن هنا كان من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمنع كيد الشيطان بكظم الغيظ وعدم إنفاذه، والترغيب في ذلك بالمنزلة العالية يوم القيامة.

وقد عظم الله جل وعلا أجر الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس؛ فقال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} (آل عمران:133-134).

ومما يروى في هذا الصدد، أنه كان للمأمون -الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد خادم، وهو صاحب وضوئه، فبينما هو يصب الماء على يديه إذ سقط الإناء من يده، فاغتاظ المأمون عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! إن الله يقول: {والكاظمين الغيظ} فقال المأمون: قد كظمت غيظي عنك، قال: {والعافين عن الناس} قال: قد عفوت عنك، قال: {والله يحب المحسنين} قال: اذهب، فأنت حر.

فما أعظمها من سنة، تنفعنا في الدنيا بهدوء الحال، وتنفعنا في الآخرة بطيب المآل.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة