والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

0 1151

الجهاد في سبيل الله من أشرف الأعمال، وأعلاها قدرا، وأكثرها ثوابا وأجرا.. فهو صيانة للأمة، ورفعة للدين، وإرغام للكافرين، وقطع لهم عن الطمع في بلاد المسلمين.

والجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة.
وشرعا: بذل المسلم جهده وطاقته في نصرة الإسلام ابتغاء مرضاة الله. [من قاتل، لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله](متفق عليه).

والجهاد يكون بالقول والمال والنفس.
فالجهاد بالقول: يكون ببيان الحق، ودفع شبه الباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك.
والجهاد بالمال: يكون بإنفاقه في تجهيز الجيوش وإعداد العدة للقتال، كما يكون بإنفاقه في وجوه البر والخير.
والجهاد بالنفس: يكون ببذلها في سبيل الله تعالى.. وهو أعلى درجات الجود.. والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
وعند الإطلاق ينصرف المعنى إلى الجهاد بالنفس وقتال أعداء الله تعالى نصرة لدين الله.. وأما غيره فلابد من التقييد فنقول: جهاد النفس، أو الجهاد باللسان، أو جهاد الدعوة.. وهكذا.

والجهاد من فروض الكفايات، فمتى قام به من تسد بهم الحاجة سقط عن الآخرين، وإلا أثمت الأمة كلها.
ويصير الجهاد فرض عين في ثلاث حالات:
الأولى: عند إعلان الإمام للنفير العام. {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ۚأرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ۚفما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}(التوبة:38)، وقال عليه الصلاة والسلام: [وإذا استنفرتم فانفروا](متفق عليه)

الثانية: عند شهود المعركة أو عند ملاقاة العدو، فيجب عند ذلك القتال {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار . ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم ۖ وبئس المصير}(الأنفال:15، 16)

الثالثة: إذا حاز العدو أرضا للمسلمين، أو غلب على الحوزة، فيجب الجهاد حتى نستخلصها منه ونرده مدحورا.

الوصية بالجهاد:
ولما كان الجهاد من فروض الإسلام، ولما كان أثره على الأمة كبيرا في صيانتها وعزتها ونصرتها، وكان تركه فيه مذلتها واستيلاء العدو على مقدراتها، وكانت عاقبة المجاهدين أعظم العاقبة.. عظمت الوصية به والدعوة إليه، وأمر الله بأخذ العدة اللازمة فقال سبحانه: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}(الأنفال:60)، وقد فسر النبي صلى الله عليه القوة بأنها الرمي ففي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو على المنبر ، يقول {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} ألا إن القوة الرمي . ألا إن القوة الرمي . ألا إن القوة الرمي).
وقال أهل العلم: كل ما به قوة وحاجة في القتال وجب تحصيله وإعداده، وهذا يختلف باختلاف الأزمان والأحوال.. ولا شك أن من وسائل القوة في زماننا تعلم وإتقان مختلف العلوم والفنون والصناعات اللازمة للإعداد للقتال وهي من الفروض الكفائية على الأمة.

وقد أجمع العلماء على أن المرابطة في الثغور أفضل من المجاورة عند المساجد الثلاثة، (نقله ابن تيمية)، واستدلوا بقوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ۗوالله لا يهدي القوم الظالمين . الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم . خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم} (التوبة:19، 22).
وقد روى أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل وأي الأعمال خير؟ قال إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم أي شيء؟ قال: الجهاد سنام العمل، قيل: ثم أي شيء يا رسول الله؟ قال: ثم حج مبرور](قال الترمذي: حسن صحيح).
وفي قصة ابن المبارك مع الفضيل عندما ذهب للمجاورة في مكة وترك الجهاد فأرسل له ابن المبار الأبيات المشهورة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا=لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خدذه بدموعه=فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل=فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا=رهج السنابك والغبارالأطيب
ولقــد أتانــا عن مقــــال نبينا=قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في=أنف امرئ ودخان نار تلهب
هــــذا كتاب الله ينـطق بيــننا=ليس الشهــيد بميت لا يكذب

ضرورة الجهاد
والجهاد ضرورة لأي أمة تريد أن تكون عزيزة كريمة.. وإنما كان الجهاد ضرورة لعدة أمور:
أولا: لبقاء الأمة قوية مرهوبة الجانب من قبل أعدائها {ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}(الأنفال:60).

ثانيا: الجهاد دليل إيمان صاحبه، واسترخاص نفسه وماله لنصرة دينه.. كما أن النكوص عنه علامة ضعف الإيمان في القلب {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ۚ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}(التوبة:38)

ثالثا: ترك الجهاد سبب للمذلة والهوان، وضياع الديار، وتسلط الكفار على بلاد الإسلام.. وهذا من معاني العذاب التي توعد بها تاركوا الجهاد في قوله تعالى: {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما}(التوبة:39).

جهاد الدفع وجهاد الطلب
يزعم البعض بأن الجهاد في الإسلام إنما هو فقط دفاعي ، نعم  هذه صورة من صور الجهاد والقتال لقوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ۚ إن الله لا يحب المعتدين}(البقرة:190).
وإنما هناك أسباب أخرى للقتال جاءت في الكتاب والسنة، وعلمت من وقائع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الأئمة من بعده.

وعليه فالصحيح أن الجهاد نوعان:
جهاد دفع: عندما يأتي الكفار لقتال المسلمين في أي مكان، وهو الذي يستدل عليه بقوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ۚ إن الله لا يحب المعتدين}.
وجهاد طلب: وله أسباب.. منها إعلاء كلمة الله، ولنصرة المستضعفين، ولفتح الباب أمام الدعاة والدعوة، ولإقامة شرع الله في الأرض. قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}(الأنفال:39) والفتنة هنا هي الشرك والكفر.. والمقصود أن يكونوا خاضعين لحكم الله لا أن يتركوا دينهم قصرا وجبرا؛ إذ {لا إكراه في الدين}، وإنما يخضعون لحكم الله وإلا لما كان هناك معنى لأخذ الجزية منهم لقوله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر القادة أن يدعو المشركين قبل قتالهم إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية، فإن أبوا استعانوا الله عليهم وقاتلوهم.. حتى يخضعوهم لحكم الإسلام.

الجهاد مصلحة للكفار:
ومن نظر بعين العدل والإنصاف علم أن الجهاد فيه مصلحة للكافرين من جهتين:
جهة دنيوية: برفع ظلم أنظمة الأرض عنهم، والقيام بالعدل فيهم؛ لأن من مقاصد الجهاد إزاحة حكم الكفر وما فيه من ظلم وطغيان، وإزالة لشرائعه الباطلة الجائرة، ورفع الحواجز عن الناس لرؤية الإسلام وشرائعه رؤية صحيحة حقيقية، وبعد ذلك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...

وجهة أخروية: وهو تعريفهم بالإسلام ودعوتهم إليه، وإزاحة الحواجز الخارجية التي تمنعهم وتصدهم عن اتباعه.. ثم ترك الأمر لهم فمن آمن منهم نال سعادة الدنيا والآخرة.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: [عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل].. وقد فسر هذا الكلام في الحديث الذي صححه الألباني في السلسلة الصحيحة عن عامر بن واثلة أبي الطفيل قال: [ضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تسألوني مما ضحكت ؟ قلنا : يا رسول الله مما ضحكت ؟ قال : رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل ، ما أكرهها إليهم ! قلنا : من هم ؟ قال : قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام].

والخلاصة:
أن المسلم لا ينفك عن الجهاد بحال، يجاهد نفسه، ويجاهد شيطانه، ويجاهد هواه، ويجاهد بلسانه، ويجاهد بسيرته الحسنة، ويجاهد بماله، ويجاهد بنفسه.. فهو في جهاد دائم إلى أن يلقى الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجع كتاب " أصول الدعوة  " للدكتور عبد الكريم زيدان

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة