- اسم الكاتب:حسن عبد الحي ( شبكة الألوكة )
- التصنيف:الإعلام
لا يخفى على أحد اليوم أثر الإعلام في مساندة القوى العالمية المغايرة، حتى إن الدولة أو الطائفة لتوجه إعلاما خاصا لغيرها من الأمم والناس، كنوع من أنواع الغزو الفكري والثقافي لها، وما ذلك إلا لأثر الإعلام في تغيير الواقع، كآلة الحرب تجتز الأرض وتغتصبها.
وقد احتلت غالبية الدول المسلمة إعلاميا، بحيث سيطر على الإعلام فيها التيارات العلمانية والتغريبية بتأييد قوى خارجية سلمتها مقاليد منابر بث الوعي والتصورات، سواء على مستوى الإعلام، أو مستوى التعليم؛ لتضمن التبعية لها.
حتى خفض صوت الإعلام الإسلامي، وانحصر في المجلات التي تصدرها المراكز والمجمعات الإسلامية، ولم تكن تلك المجلات الشهرية أو حتى الأسبوعية لتسعف الجماهير المسلمة بالتصورات الصحيحة عن الواقع وحقائق ما يحاك للأمة، لا سيما وهي مجلات ثقافية تعتني بالقارئ المثقف اللبيب، لا عوام الناس المغيبين.
ثم قدر الله تعالى أن يفتح للدعوة، فدخلت مجال الفضائيات التلفزيونية وشبكة الإنترنت، بجانب تعدد الأصوات الحية في بعض الجرائد والمجلات الخاصة، فصنعت نواة للإعلام الإسلامي تمتد فعالياته لتشمل كل القضايا المحورية في الأمة.
لكن هذا الفتح للإعلام الإسلامي لا يزال في مراحله الأولى، مراحل التجربة والبناء التدريجي، مما لا يعد جبهة قوية تسقط عن الأمة تثبيت وجودها بعد.
نعم، كل عمل جديد يكتنفه القصور، ويمثل عامل الوقت في نضوجه جزءا كبيرا، لكن هذا كله إذا كانت أهدافه واضحة، ومنطلقاته ثابتة، أما إذا كان عملا عشوائيا لا يعتمد على رؤية واضحة تمثل عامل جمع للجهود المبذولة مع الأطراف المماثلة له، فإنه حينئذ يعاني آفة يجب أن تعالج قبل أن تأتي عليه كله فتمرضه أو تقتله.
والحقيقة أن الإعلام الإسلامي المتمثل في القنوات الفضائية الإسلامية، والمواقع المهتمة بالعمل الإعلامي على شبكة الإنترنت وبعض المجلات ذات الصبغة الإسلامية، إعلام عشوائي قائم على غير أصول تجمعه فتقوي شوكته في الواقع، وتجعله جبهة مضاهية للجبهات الإعلامية للعدو في الخارج والداخل.
أسباب ضعف الإعلام الإسلامي
وأسباب هذا الضعف للإعلام الإسلامي ترجع إلى الإشكاليات التي تواجهها، وقيام إعلام إسلامي مواز للإعلام التغريبي في الداخل، ومواجه للإعلام العالمي ضد الإسلام، يعني التخلص من تلك الإشكاليات.
وتختلف تلك الإشكاليات العائقة أمام الإعلام الإسلامي، فيرجع بعضها إلى تحجيم ومناهضة القوى المخالفة، كما يرجع بعضها إلى ضعف إمكانيات الدعوة الإعلامية، ويرجع البعض الآخر إلى عشوائيتها الفردية، ويرجع بعضها كذلك إلى تصورات منهجية فاسدة، أو غير مكتملة، من شأنها تعطيل ثمار العمل أو إفساده جملة، وتلك محاولة للوقوف على جوانب تلك الإشكاليات تفصيلا:
تحجيم القوى المخالفة لانطلاقة إعلام إسلامي متكامل:
تعمل القوى المناهضة للإسلام في داخل غالبية البلاد المسلمة، وفي الخارج على عزل الجماهير عن التصور الإسلامي لكل قضايا حياتهم؛ إذ الناس تهوي بروحها إلى الإسلام؛ لما يحمله من نور الحق، فتفرض تلك القوى المعادية للإسلام حظرا على بث التصورات الإسلامية في واقع الناس.
ولا مجال أبدا لقبول الرأي الآخر هنا، أو حتى مجرد عرضه، ما دام رأيا ذا خلفية إسلامية ينتج تصورا مخالفا لتلك القوى عن الواقع.
وليس هينا أبدا الإفلات من هذا التحجيم الغربي والتغريبي للإعلام الإسلامي، فالصوت الإسلامي الحر، لن يعلو إلا عن طريق كيان إسلامي حر، لكن وجود انفراجة للإعلام الإسلامي في الآونة الأخيرة على مستوى الفضائيات أو شبكة الإنترنت يوحي بشيء من البشرى.
وواجب العاملين على هذين المنبرين استغلال تلك الانفراجة في بث التصور الإسلامي على وجه التمام؛ بحيث تدرس سبل الاستفادة منها، وهذا يبعثنا على الحديث عن:
عشوائية العمل الإعلامي الفردي في الواقع المعاصر:
من الطبيعي أن ينهض بعمل الإعلام الإسلامي مجموعات فردية بعد أن فقد العمل المؤسسي القائم على جهود منسقة تقوده نحو أهداف موضوعة، بوسائل وطرق مدروسة محسوبة.
فلم يعد من الممكن بناء منبر إعلامي متفقة رؤاه للواقع، فتتفق أهدافه وغاياته، ووسائله وطرق عمله، بل اختلفت رؤى العاملين في المجال الإعلامي؛ لاختلاف توصيف الواقع الذي يعملون فيه، ولاختلاف المنطلقات والغايات تبعا لذلك، وتلك هي العشوائية التي يضعف بوجودها العمل الإعلامي المؤثر في الواقع.
ولو أن العاملين في مجال الإعلام الإسلامي انطلقوا من رؤية واحدة لهدف واحد، لتحققت بهذا الإعلام المسلم ثمار أكبر في واقعنا المعاصر، وتلك إحدى ويلات التفرق والشقاق في الساحة الدعوية.
والمأمول من قيادات العمل الإعلامي - سواء على مستوى الفضائيات، أو المجلات، أو مواقع الإنترنت - نشر روح الوحدة بينها، وحسن التواصل، وتبادل الخبرات؛ حتى يتغلبوا على فرديتهم العشوائية، ويكتسبوا عملا جماعيا له وقع أكبر في الواقع.
ضعف إمكانيات الإعلام الإسلامي:
كما كان لضعف إمكانيات العمل الإعلامي المسلم إشكالياته البارزة والمؤثرة عليه في الواقع، فبحكم حداثته قلت خبرة العاملين فيه، كما كان للتضييق المفروض عليه أثره السلبي في مواكبة العصرية الحديثة، بالإضافة إلى ضعف التمويل المؤسسي، سواء المالي، أو المهني.
وإذا كان لكل إعلام ثوابت منهجية يسير عليها الواقع المهني، فإن ثوابت المنهج الإسلامي الذي ينطلق منه الإعلام الإسلامي أول ما يجب أن يلحظ في العاملين في مجال الإعلام الإسلامي، فلا يستقيم أن نتحدث عن إعلام إسلامي، وثوابت وتصورات المنهج غير مكتملة في أصحابه، كما لا يستقيم أن نتحدث عن أي "إعلام" وثوابته المهنية غير حاضرة، ومن هنا نحكم على التجربة الإعلامية الإسلامية بالضعف، سواء على الجانب المهني الخادم للمنهج، أو على جانب المنهج ذاته.
تصورات منهجية فاسدة:
فإذا أضفنا إلى ضعف إمكانيات الإعلام الإسلامي، المتمثلة في قلة الخبرة، والتضييق عليه، وعشوائيته - إذا أضفنا إلى كل هذا فساد بعض تصورات القائمين عليه، خرجنا بنتيجة أكثر سلبية.
فالإعلامي المنتسب إلى العمل الإسلامي، ثم يحمل تصورات تنخر في أصول إسلامية كبيرة، مثل أصل الولاء والبراء، هذا الإعلام حري به أن ينسب إلى غير العمل الإسلامي، ومؤسف حقا أن ندخل الإعلام الإسلامي - على إشكاليات وجوده في الواقع - دائرة التصنيف، فنقلص زيادة من إمكانياته، ونزيده تشرذما! لكن هذا هو الواقع.
تلك محاولة لرصد الإشكاليات التي تواجه الإعلام الإسلامي، الذي هو جزء أصيل من الدعوة، أو هكذا ينبغي، أتتبعها على أمل إيجاد حلول مناسبة لها، وتدعيم للقائمين عليها.
والحمد لله رب العالمين