- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مختلف الحديث
مما اختصت به هذه الأمة هداية الله لها إلى تعظيم يوم الجمعة في حين ضلت عنه الأمم من قبلها وكان قد فرض عليهم، فاختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، وهديت هذه الأمة ليوم الجمعة، ففضلت به على سائر الأمم، فهو خير يوم طلعت عليه الشمس، وفضائله معلومة مشهورة، وفيه يشرع للمسلم مجموعة من الأعمال والمستحبات احتفاء به وبشريف فضله ومن الأعمال المشروعة فيه الغسل.
وقد اختلف العلماء في حكم غسل الجمعة؛ فمن قائل بوجوب الغسل، ومن قائل بأنه مستحب وهو رأي الجمهور، ومنشأ الخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة هو اختلاف الآثار وتعارضها للناظر فيها من أول مرة، لكن بعد التأمل فيها والنظر يمكن الجمع والتوفيق بين ظواهرها، ما يعني أنه ليس ثمة تعارض حقيقي يوجب الخلاف.
يقول ابن رشد في هذا الصدد: "اختلفوا في طهر الجمعة؛ فذهب الجمهور إلى أنه سنة، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض، ولا خلاف فيما أعلم أنه ليس شرطا في صحة الصلاة, والسبب في اختلافهم تعارض الآثار؛ وذلك أن في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (طهر يوم الجمعة واجب على كل محتلم كطهر الجنابة) رواه بن حبان في صحيحه، وفيه حديث عائشة قالت: كان الناس عمال أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل: (لو اغتسلتم) متفق عليه، وظاهر حديث أبي سعيد يقتضي وجوب الغسل، وظاهر حديث عائشة أن ذلك كان لموضع النظافة، وأنه ليس عبادة.
ومن الأحاديث التي تدل على عدم الوجوب ما رواه أهل السنن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، قال النووي: حديث حسن في السنن مشهور، وفيه دليل على أنه ليس بواجب، وكذلك ما في "الصحيحين" من حديث عائشة قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لو اغتسلتم يوم الجمعة) مشعر بعدم الوجوب؛ لأن تقديره: "لكان أفضل وأكمل".
وحصل خلاف أيضا في مسألة من يجب عليه غسل الجمعة أو يسن، ومرجع الخلاف إلى اختلاف ظواهر الأحاديث والآثار، ففي "صحيح مسلم" عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل)، وهذا يدل على أن الغسل مشروع في حق من يريد حضور الجمعة، فلا يدخل فيه المرأة والعبد، وكل من لا تجب عليه الجمعة، كالمسافر، والأحاديث المتقدمة تدل على الوجوب عموما.
قال النووي: "فيقال في الجمع بين الأحاديث: أن الغسل يستحب لكل مريد الجمعة، ومتأكد في حق الذكور أكثر من النساء؛ لأنه في حقهن قريب من الطيب، ومتأكد في حق البالغين أكثر من الصبيان، ومذهبنا المشهور أنه يستحب لكل مريد لها، وهو الصحيح".