- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:آيات ومعجزات النبوة
لا يمكن لمنصف تجاهل الدلائل النبوية والمعجزات الكثيرة والصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم التي حدثت له مع بعض الحيوانات، والتي شهدها الصحابة الكرام بأعينهم، وثبتت في صحيح الأخبار، وجعلها الله شاهدا على صدقه، ودليلا من دلائل نبوته، وكان لها الأثر البالغ في معرفة عظم قدر وعلو منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم، والتي منها: شكوى الجمل وسجوده له، وشهادة الذئب بنبوته، وتوقير الوحش وتأدبه معه، وحصول البركة للناقة والشاة والفرس لملامستهم له...ولا عجب في ذلك؛ فإنه ليس من شيء في الأرض ولا في السماء إلا ويعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي ورسول من عند الله، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، حتى إذا دفعنا إلى بستان من بساتين بني النجار، إذا فيه جمل، لا يدخل البستان أحد إلا شد عليه، قال: فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى أتى البستان، فدعا البعير، فجاء واضعا مشفره (شفته) إلى الأرض، حتى برك بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هاتوا خطاما) فخطمه، ودفعه إلى صاحبه، ثم التفت إلى الناس، فقال: (إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، إلا عاصي الجن والإنس) رواه أحمد وحسنه الألباني.
سجود الجمل وشكواه للنبي صلى الله عليه وسلم:
في رواية أخرى للحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه تقول: كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسقون عليه، وإنه استصعب عليهم، فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسقي عليه، وإنه استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا) فقاموا، فدخل البستان، والجمل في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله! قد صار مثل الكلب العقور، نخاف عليك صولته (سطوته ووثوبه)، قال: (ليس علي منه بأس) فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته، أذل ما كانت قط، حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله! هذا بهيمة لا يعقل يسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك؟ قال: (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لعظم حقه عليها) رواه أحمد.
قال الزرقاني: "قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا) معي، تأنسا وضبطا لما يفعله في سيره، فيقوي يقينهم بمشاهدة المعجزات، ويخبرون من وراءهم بها...فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجدا، أي: واضعا مشفره (شفته) بالأرض، باركا بين يديه كما في رواية وهي مبينة لسجوده، إذ السجود الحقيقي لا يتأتى من الجمل".
وفي رواية ثالثة لهذه المعجزة عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم دخل بستانا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه (قفا البعير خلف أذنه) فسكت، فقال: (من رب هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟) فجاء فتى من الأنصار، فقال لي رسول الله: (أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه (تتعبه بكثرة العمل) رواه أبو داوود وصححه الألباني. قال أبو نعيم في دلائل النبوة: "فيما تضمنت هذه الأخبار من الآيات والدلائل الواضحة من سجودهن وشكايتهن وما في معناه، ليس يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطي علما بنغم هذه البهائم وشكايتهن، كما أعطي سليمان عليه السلام علما بمنطق الطير، فذلك له آية كما كان نظيرها لسليمان، أو أنه علم ذلك بالوحي، وأي ذلك كان ففيه أعجوبة وآية ومعجزة".
وفي رواية رابعة عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رجلا من الأنصار كان له فحلان (ذكران من الإبل) فاغتلما (هاجا) فأدخلهما بستانا، فسد عليهما الباب، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يدعو له، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ومعه نفر من الأنصار، فقال: يا نبي الله! إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما، فأدخلتهما بستانا، وسددت الباب عليهما، فأحب أن تدعو لي: أن يسخرهما الله لي، فقال لأصحابه: (قوموا معنا) فذهب حتى أتى الباب، فقال: (افتح) ففتح الباب، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتني بشيء أشد به رأسه وأمكنك منه) فجاء بخطام فشد به رأسه، وأمكنه منه، ثم مشيا إلى أقصى البستان إلى الفحل الآخر، فلما رآه، وقع له ساجدا، فقال للرجل: (ائتني بشيء أشد به رأسه) فشد رأسه، وأمكنه منه، وقال: (اذهب فإنهما لا يعصيانك) فلما رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، قالوا: يا رسول الله! هذان فحلان لا يعقلان، سجدا لك، أفلا نسجد لك؟ قال: (لا آمر أحدا أن يسجد لأحد، ولو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) رواه الطبراني وقال الألباني إسناده جيد.
شهادة الذئب بنبوته صلى الله عليه وسلم:
من عجيب المعجزات والدلائل النبوية الصحيحة لنبينا صلى الله عليه وسلم مع الحيوان: أن الله عز وجل أنطق الذئب، فتكلم وأقر بنبوته، بل ودعا الناس إلى الإيمان به؛ خبر ذلك رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى (جلس) الذئب على ذنبه (ذيله)، وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقا ساقه الله إلي؟ فقال: يا عجبي! ذئب مقع على ذنبه، يكلمني بكلام الإنس؟ فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟: محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره، فأمر رسول الله فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: (أخبرهم) فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة (طرف) سوطه وشراك (سير) نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده) رواه أحمد وصححه الألباني.
وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما كلم الذئب راعي الغنم، فقال الرجل: (تالله إن رأيت كاليوم ذئبا يتكلم، قال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين (المدينة) يخبركم بما مضى، وبما هو كائن بعدكم، وكان الرجل يهوديا فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم وخبره، فصدقه النبي صلى الله عليه و سلم) رواه أحمد وصححه الألباني.
بركته مع فرس أبي طلحة، وجمل جابر:
الفرس الضعيف يسبق ويأتي بالخير، والناقة القاعدة تتحرك وتسبق غيرها ببركة ملامسة النبي صلى الله عليه وسلم لهما، روى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فركب فرسا لأبي طلحة بطيئا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: (لن تراعوا، لن تراعوا) رواه البخاري، قال أنس رضي الله عنه: "فوالله ما سبق (فرس أبي طلحة) بعد ذلك اليوم".
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأبطأ بي جملي، فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (يا جابر!) قلت: نعم، قال: (ما شأنك؟) قلت: أبطأ بي جملي، وأعيا، فتخلفت، فنزل فحجنه بمحجنه (عصا معوجة)، ثم قال: (اركب) فركبت، فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وفي رواية للبخاري قال جابر رضي الله عنه: (فما زال (الجمل) بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي صلى الله عليه وسلم: (كيف ترى بعيرك؟) قلت: بخير، قد أصابته بركتك) رواه البخاري. قال ابن حجر: "آل أمر جمل جابر هذا لما تقدم له من بركة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مآل حسن، فرأيت في ترجمة جابر من "تاريخ ابن عساكر" بسنده إلى أبي الزبير عن جابر قال: فأقام الجمل عندي زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فعجز، فأتيت به عمر، فعرف قصته، فقال: اجعله في إبل الصدقة، وفي أطيب المراعي، ففعل به ذلك إلى أن مات".
الشاة الضعيفة تدر اللبن ببركة النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: (يا غلام! هل من لبن؟) قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل (لم تحمل)، فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب وسقا أبا بكر، ثم قال للضرع: (اقلص) فقلص. ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله! علمني من هذا القول، فمسح رأسي، وقال: (يرحمك الله، فإنك غليم معلم) رواه أحمد وصححه الألباني.
وروى الطبراني عن حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة رضي الله عنه ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة (البرزة: المرأة التي تجالس الرجال) جلدة (قوية) تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين (نفد زادهم، وأصابهم قحط) فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: (ما هذه الشاة يا أم معبد!) قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: (فهل بها من لبن؟) قالت: هي أجهد من ذلك، قال: (أتأذنين أن أحلبها) قالت: بلى بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبا، فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاحت عليه (فرجت مابين رجليها من كئرة اللبن) ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيها ثجا (منصبا جدا) حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم، ثم أراضوا (شربوا حتى رووا)، ثم حلب فيها ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها. فلما جاء أبو معبد وعلم ما حدث، قال: والله هذا صاحب قريش، الذي ذكروا من أمره ما ذكروا، لقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وقال:
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
الوحش يوقر النبي صلى الله عليه وسلم ويتأدب معه:
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أنه كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، فكان يقبل ويدبر، فإذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربض (جلس) فلم يترمرم (يتحرك) كراهية أن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد والطبراني، قال السندي: " قولها: وحش، أي: حيوان وحشي، ولعله كان قبل تحريم المدينة، وكان قد صيد من الحل"، ومعنى الحديث: أن هناك حيوانا بريا كان في بيت لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندهم كان هذا الحيوان يشتد ويلعب ويكثر الحركة، وإذا دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن؛ توقيرا له وتأدبا معه.
مع ما في هذه الدلائل والمعجزات النبوية مع الحيوان من معرفة لعلو قدره صلى الله عليه وسلم ومنزلته، ففيها كذلك دلالة هامة على رحمته وشفقته صلوات الله وسلامه عليه بالحيوان. وإذا كان من معجزاته ودلائل نبوته: حنين الجذع له، وانقياد الشجر إليه، وشهادة الذئب بنبوته، وسجود الجمل له، وتأدب الوحش معه، فنحن أولى بحبه والشوق إليه، والتأدب معه، والمسارعة لطاعته وامتثال ما دعا إليه صلوات الله وسلامه عليه.