أنوار قرآنية: الاستعاذة

0 1658

الاستعاذة ليست من الفاتحة، إلا أن الله تعالى أمرنا بها قبل أن نقرأ القرآن الكريم فقال: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل:98].

أسباب التعوذ قبل القراءة

أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نستعيذ من الشيطان قبل الشروع في قراءة القران للأسباب الآتية:

السبب الأول: أن القرآن شفاء لما في الصدور، يذهب الله به ما يلقيه الشيطان من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء، فأمر القارئ أن يطرد مادة الداء، ليخلو منه القلب فيجد الدواء محلا خاليا، فيؤثر فيه، فالقلوب قسمان:

الأول: قلب خال من الإيمان وجميع الخير، وهذا قلب مظلم، قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه اتخذه بيتا ووطنا، وتحكم فيه بما يريد.

الثاني: قلب دخله نور الإيمان، وبقيت غواشي ظلمة الشهوات، وعواصف فساد الشبهات تهب عليه لطبيعته الإنسانية، فيستغل الشيطان ذلك، فيكون له عليه إقبال وإدبار، يروم أن ينتصر عليه، ويحيل نوره ظلمه، وسعادته شقاء، فتكون الحرب بينه وبين الشيطان سجالا ودولا، ويؤيد الشيطان في حربه له ما يجري عليه من أحكام البشر التي منها الغفلة والسهو والذهول وغلبة الهوى، وقد يسمو هذا القلب فيعمر بالإيمان، ويملأ بنور الرحمن، فتنقشع عنه سحب الهوى والشهوات، فإذا استمر على الاستعاذة والتحصن بالله بإقبال قلب، ولهفة نفس حماه الله وأعاذه، فإن اقترب منه الشيطان ذهب كيده، كالسماء التي حرست بالنجوم، لو دنا منها الشيطان لرجم، فوقي المستعيذ شره، ورحم وأنعم عليه وأكرم.

السبب الثاني: أن الشيطان يجلب على قارئ القرآن بخيله ورجله، حتى يشغله عن قراءة القرآن وتدبره، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة، ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه)، و"كلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب الى الله كان اعتراض الشيطان له أكثر"، والقرآن أنفع من يكون للإنسان، والشيطان يحاول أن يمنعه عن إدراك أنوار القرآن، فالاستعاذة تعين على دفع شرور الشيطان.

السبب الثالث: أن الملائكة تدنو عند قراءة القرآن وتستمعها، كما في حديث أسيد بن حضير لما كان يقرأ، ورأى مثل الظلة فيها مصابيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري-: (تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم)، والشيطان ضد الملك وعدوه، فاستعاذة القارئ ليطلب بعد عدوه عنه؛ حتى تحضره الملائكة.

معنى الاستعاذة: من خلال صيغتها المختارة التي هي (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)

أولا: كلمة (أعوذ):

لها عدة معان تدور حول الالتجاء والاستجارة والاحتماء والتحرز والالتصاق، والمعنى: يا رب! التجئ إليك من الشيطان، وأستجير بك منه أن يضلني، أو أن يحجبني عن أنوار المعاني في قراءة القرآن، وأنوار المباني في كلامك يا رحمن، وألتصق بحمايتك عن أن يصيبني شيء منه.

ثانيا: كلمة (الشيطان) لها عدة معان

1) مأخوذ من شطن إذا بعد، والشيطان بعيد عن رحمة الله وعن جواره وعن مغفرته.

2) مأخوذ من شطن إذا تمرد؛ لأنه لم يطع أمر الله سبحانه وتعالى، وخالف كلامه، والعرب تسمي كل متمرد من الإنس والجن والدواب شيطانا {شياطين الإنس والجن} [الأنعام:112].

3) مأخوذ من شاط إذا احترق، ومن ذلك قول القائل استشاط غيظا أو غضبا بمعنى احترق، أي: يكاد ينفجر من شدة غيظه أو غضبه.

ثالثا: معنى كلمة (الرجيم)

1) (الرجيم) على وزن (فعيل) بمعنى مفعول، أي: مرجوم، وصف بذلك؛ لأنه يرجم بالحجارة، كرجمه بالنجوم عند استراقه السمع قال تعالى: {وجعلناها رجوما للشياطين} [الملك:5] يعني الكواكب.

2) بمعنى (مرجوم) ولكن بالقول، يقال: فلان مرجوم إذا كان ملعونا مشؤوما مطرودا من رحمة الله وتوفيقه، ومن استعماله بمعنى الرجم القولي قول والد النبي إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- {لئن لم تنته لأرجمنك} [مريم:46] أي: لأسبنك ولأشتمنك بلاذع القول، ويحتمل أنه أراد رجمه بالحجارة.

3) رجيم على وزن (فعيل) بمعنى فاعل، أي: يرجم غيره بالإغواء والإضلال، وعلى هذا لو جمعنا المعاني كلها فإننا سنقول في معنى الاستعاذة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم): ألتجئ إلى الله، وأحتمي به، وأتحصن من الشيطان البعيد المتمرد المحترق الملعون المشؤوم الـمضل.

قاعدة تزكوية تبين جمال الاستعاذة: (عدو خفي غائب.. ضعيف أمام ودود عزيز غالب)

قال تعالى مبينا ضعف الإنسان: {وخلق الإنسان ضعيفا} [النساء:28]، وقال تعالى عن كيد الشيطان: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} [النساء:76]، و(الضعيفان) إذا اقتتلا ولم يكن لواحد منهما معين لم ينتصر أحدهما، فكيف إذا لعب الشيطان بالإنسان، فأوهمه أنه وليه؛ ولذا أمر الله الكريم اللطيف أن يستعين الإنسان بربه ليحميه من كيد الشيطان الضعيف، ومن هنا يمكن أن نقول: (العدو الخفي الغائب منهزم أمام الودود العزيز الغالب).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة