أضرار السحر الاجتماعية

0 1602

في خضم الدراسات الاجتماعية التي تقوم بها مراكز الدراسات والبحوث في بعض الدول هنا وهناك، والمختصة برصد المظاهر الاجتماعية السلبية وفهم بواعثها وسبل مواجهتها، يغيب البعد العقدي والتتبع الاستقصائي لأثر السحر ممارسة وتطبيقا، وما ينتج عنه من تداعيات خطيرة تؤثر في النسيج الاجتماعي، ليس على مستوى الذات فحسب، ولا على الأسرة كذلك، بل على المجتمع بأسره.

نعم، قد نفهم ذلك التغاضي عن عنصر فاعل وظاهرة مؤثرة في حجم السحر، فالدراسات الاجتماعية قلما تلتفت إلى مرجعية فكرية، تكون موجهة لمسارها، ومتحكمة بنتائجها، ولربما كان السبب في إغفال الحديث عن السحر نظرا لتعلقه بالأمور الغيبية، ومهما يكن ذلك فأثر السحر من الوضوح بحيث لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه، ولو استخدمنا الأدوات المهنية التي يتعامل بها الباحثون الاجتماعيون من طرائق المسح الجغرافي والاستبيانات وعلم الإحصاء والمقارنات لوجدنا كل الأسهم والدلائل تتفق مع القول بأن وجود السحر في مجتمع ما يتناسب عكسيا مع استقراره وصحته من الناحية الاجتماعية، وبقدر ما تزدهر سوق السحرة في مجتمع ما، بقدر ما نرى انتشارا للأمراض الاجتماعية التي نسعى لحلها والتخلص من آثارها.

ولعل طرح موضوع السحر من هذه الزاوية يسهم بشكل أو بآخر في وضع اللبنة الأولى وأن يكون النواة لدراسات اجتماعية محكمة يتم تبنيها من قبل المراكز المتخصصة، فهي إذن: محاولة أولية لرصد آثار تلك المشكلة على مجتمعاتنا، نقول فيها الآتي:

السحر والعنف الأسري

إذا كانت الأسرة المؤسسة الاجتماعية التي تساهم في بناء المجتمع، والتي تمثل بطبعها: لمأوى الدافئ، والملجأ الآمن، والمدرسة الأولى، ومركز الحب والسكينة، وساحة الهدوء والطمأنينة، فكيف إذا غابت هذه المعاني النبيلة وصار الأذى هو سيد الموقف؟ يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم.

ولأن المسحور –في بعض أنواعه- قد لا يكون متزنا عاطفيا وعقليا ونفسيا، وقد يتوهم أمورا لا حقيقة لها، فإنه قد ينشأ من ذلك عداوات بين الزوج وأفراد أسرته قد تتطور إلى الاعتداء الجسدي بمختلف صوره وأشكاله، أو التهديد النفسي بما يشمله من محاولات السيطرة والتهديد والتخويف وممارسة الاستبداد والملاحقة والمطاردة.

ولربما اتخذ العنف الأسري شكلا مغايرا وهو ما يسمى بالاعتداء السلبي، والمقصود به: سلب احتياجات كان من المفترض وجودها، ومثاله: الإهمال العاطفي والاجتماعي، واشتهار هذا الأثر عند من ابتلاهم الله بالسحر أمر لا تخطئه العين، وكذا الحديث عن الحرمان الاقتصادي عندما تكون هناك قدرة لأحد أفراد الأسرة على الاستحواذ على الموارد المالية للعائلة نظرا للاضطرابات الحاصلة له كونه مسحورا، والنتيجة: صرف لمال أحد أطراف العائلة دون إذنه أو حرمانه من كامل التصرف فيه.

السحر وتمزيق الروابط الزوجية

من أشهر أنواع السحر وأقواها سحر التفريق، والمقصود به: تفريق المرأة عن زوجها وتفريق الزوج عن زوجته عن طريق الاستعانة بالشياطين والجن، فإذا حصل هذا الشرخ بين أساس الرابطة الأسرية انخرط عقدها، وبسقوط الأسرة يسقط المجتمع، فلا عجب أن يكون هذا النوع من السحر أحبها لإبليس لعنه الله، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا. ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم، أنت!) -وهي كلمة تقال لبيان الإعجاب-) رواه مسلم.

والتفريق بين الزوجين كما يكون في الوساوس والشكوك التي ينسجها الشيطان في النفوس، فإنه يكون كذلك بممارسات السحر، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} (البقرة:102)، ففي إسناد التفريق إلى السحرة وجعل السحر سببا لذلك دليل على أن للسحر تأثيرا في القلوب بالحب والبغض، والجمع والفرقة، والقرب والبعد. وللقرطبي تعليق على هذه الآية يقول فيه: "ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب، بالحب والبغض، وبإلقاء الشرور حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وذلك بإدخال الآلام وعظيم الأسقام، وكل ذلك مدرك بالمشاهدة، وإنكاره معاندة".

وتكاد تتفق كلمة المشتغلين بالرقية الشرعية أن من مظاهر سحر التفريق: عدم التماس الأعذار بين كلا الطرفين، والغضب الزائد غير المفهوم حول أتفه الأسباب بين الزوجين، وطرق مسألة الانفصال بين الزوجين باعتباره الحل الأمثل لفض النزاعات، وكراهية معاشرة كلا الزوجين لبعضهما البعض، وعدم استشعار الراحة النفسية التي تحصل عادة عند لقاء الزوجين، والتلفظ بالطلاق دائما ودونما شعور، والكراهية الهائلة التي يحملها أحد الطرفين تجاه الآخر، والتي قد تصل إلى مستوى النفور من سماع اسم كل واحد منهما لاسم الآخر، فضلا عن الرؤية والمخالطة، وليست كلها مظاهر نفسية أو وجدانية، فقد يرى أحد الطرفين الآخر في منظر قبيح، أو على صورة رجل هرم أو امرأة عجوز، ما ينتج عنه تحاشي نظر أحد الزوجين للآخر وعدم إطاقة ذلك.

وما سبق من المظاهر الاجتماعية المذكورة في سحر التفريق لا يعني بالضرورة أن وجود أحدها يستلزم وجود سحر التفريق بالضرورة، فقد يكون أحد تلك الأعراض له مسببات أخرى، لكن اجتماع تلك المظاهر مؤشر قوي على وجود السحر، ما يسترعي الانتباه ويستدعي سرعة العلاج.

السحر والتأثير على العلاقات الاجتماعية

ويمكن الحديث عن ذلك من ناحيتين:

الأولى: أن انتشار السحرة وكونهم في متناول اليد يسهم في إحداث العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، لأن العداوات قد تفقد اتزان الخصوم فتلجئهم إلى الانتقام الرخيص بالذهاب إلى السحرة والكهنة بقصد الإضرار.

وبالمقابل: قد يكتشف المسحور اسم من سحره بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي يدفعه إلى الانتقام ممن سحره، وفي ذلك إذكاء لنار العداوات والصراعات التي قد يكون لها نتائج دموية، والمحاكم تعرف من ذلك الكثير.

الثانية: العلاقات داخل الأسرة الواحدة، فأولاد المسحور أو المسحورة يشعرون بالكآبة من المصيبة التي حلت بهم وغيرت حياتهم، ناهيك عن همز الناس ولمزهم ونظراتهم الجارحة للضحية، ثم إن بعض أنواع السحر قد تكون من الشدة والقوة بحيث تدفع رب الأسرة إلى ترك منزله وأسرته وبيته، فينفرط عقد الأسرة ويتشتت جمعها.

وبعد هذه الجولة السريعة ندرك أن مخاطر السحر لا تتوقف على الأمور الدينية، ولكنها تلقي بظلالها القاتمة على الأسرة والمجتمع، نسأل الله تعالى أن يحمنا من كيد السحرة والكهان، وأن يعيذنا من شرهم، إنه سميع قريب.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة