- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:تعزيز اليقين
ألم يسبق لك أيها الملحد أن سألت نفسك سؤالا : ماذا قدمت لمجتمعك ؟ ماذا قدم الإلحاد للبشرية ؟ هل سبق وأن نصحت فردا بمعروف ؟ هل سبق وأن أنكرت منكرا ؟ هل قدمت يد العون مرة لأخيك الإنسان ؟
أم أنك لا زلت غائصا في غياهب الفردانية ؟ تعتبر النصيحة تدخلا في حرية الفرد ؟ كم من شخص ضيع مال عائلته في خمر أو ميسر ؟ أو تركته يذهب بسيارته مخمورا إلى أن وقع له حادث مهلك ؟ كم ولماذا وكيف ... هي أسئلة يطرحها العاقل ولو مرة في حياته .. لماذا لست مساهما في إصلاح مجتمعي ؟ كيف لي أن أفعل ذلك وأنا أؤمن بالمادية وبنفسي فقط؟ ألم تسأم من هذه الأنانية المفرطة، أن تكون فردا سلبيا فقط ؟
إن المسلم في نظر الإسلام أيها الشاك، لحركة دعوية بفطرته، وفرد إصلاحي بطبيعته، فمنذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم وتقلد مهمة الدعوة إلى الله، عرف الأتباع بأن الإسلام رسالة من الله لعباده، ومقتضى هذا أن يكون المسلم مبلغا عن الله ورسوله، وهو أمر إلهي نافذ : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ( آل عمران : 110 ) . وقوله تعالى : { قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين } ( يوسف : 108) .
ومن هنا بين الله عز وجل سبيل الرسول والمؤمنين، في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري.
إن العالم اليوم هو في حاجة ماسة إلى أناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحملون رسالة الإصلاح لتحقيق الخير للبشرية، في ظل فردانية متوحشة تبعد الأب عن أبنائه، والأبناء عن آبائهم، والكل لسان حاله : " نفسي نفسي " .
حتى أنه قد بلغ أن نصوا في القانون الجنائي عقوبات سجنية في حالة عدم تقديم مساعدة لمضطر . ومن كان لا يأمر بمعروف قولا لن تنتظر منه القيام به فعلا ! إلا من حافظ على شيء من فطرته وتعلق ببعض القيم الإيمانية .
إن مفهوم الأمر بالمعروف، مفهوم شامل في الشريعة يتسع ليشمل كل دعوة إلى الخير، وأعظم الخير هو معرفة الله تعالى والدعوة إليه، ثم تأتي بعدها الدعوة إلى قيم الخير وأفعال البر التي تجدها مفصلة في الإسلام بشكل بديع أيها الشاك.
وكما أن مفهوم الخير أساسه معرفة الله تعالى، فإن مفهوم المنكر أن يعرف الإنسان مواقع الشر ويتجنبها، وأول ذلك معرفة الشيطان وأساليبه في إغواء البشر، ثم تأتي قيم المنكر بعدها تباعا .. يقول في ذلك الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله تعالى : " بعض المسلمين قد يغيب عنه في فتنة الانغماس الاجتماعي؛ أن الشر من الشيطان . حقيقة كبرى قد تنسى .. اذكر هذا جيدا وجدد إيمانك به .. إنه ليس وهما ولا خيالا، إنه حقيقة، إنه يسعى لتضليل عباد الله، وأنت واحد ممن يستهدفه الشيطان بغوايته، وكل الناس معرض له . فتدبر .. " -1-
فهذا في المؤمنين فكيف بك أيها الملحد ؟ إن الانغماس الاجتماعي l'immersion sociale، قد يؤدي بصاحبه إلى نسيان دينه وعقيدته، ويتيه في ظلمة المعاصي والكفر، وينحرف به إلى الاشتغال بالدنيا على حساب الآخرة، ومن هنا كان هذا الانغماس سببا من أسباب المادية، التي تغرق الناس في ثقافة الاستهلاك، والمعاصي ومقارفة المنكر، فينسى الإنسان أن هناك عدوا لا يمل ولا يكل كي يجرفه عن طرق الحق، حتى يأتي التذكير إما في لحظة صفاء وجداني، أو حين يأتي إنسان ينصحه، ومن هنا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
نعم أيها اللاديني، عدوك موجود حقيقة وإن لم تؤمن بوجوده، وخالقك واجب الوجود عقلا وعلما وإن أنكرته، فالشمس موجودة ولا يضرها إن لم يبصرها العميان. ثم ههنا سؤال وجب على كل شاك طرحه : هل دين يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساسا من أساسات العقيدة، وفعلا يجازى عليه فاعله ويعاقب تاركه، دين مكذوب شيطاني ؟ أم أنه من دلائل صدق الرسول الكريم ؟
ثم ما الخير الذي ينفع البشرية ولم يدع إليه الإسلام ؟ وما الشر الذي يتردى بها ولم ينه عنه ؟
تلك أسئلة تستفز وجدانك أيها الشاك، فتأملها وابحث عن إجابتها، عساك تكون من المبصرين، حيث تنفتح عيونك على الحق الظاهر الأبلج .
دعك من خرافات كارل ماركس ومن تابعه من الاشتراكيين في قولهم بأفيون الدين، فهم ما أبصروا الإسلام قط، بل كانوا يرون المسيحية تقيد الأتباع وتستغلهم، والباباوات يغتنون على حساب الفقراء ويمتهنونهم .. فالإسلام ليس فيه أفيون، بل يطلق أيدي أتباعه إلى العمل والكدح والتحضر وخلافة الأرض بما يرضاه الله ورسوله، ولا تبصر أفيون المسيحية وتنسى هروين الإلحاد واللادينية!
وتأمل معي سبق الإسلام حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة حتى يسأله : ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره ؟) رواه أحمد وصححه الألباني .
فالمسلم يعلم أنه مسؤول عن المنكر إن رآه ولم ينه عنه، وفي هذه لطيفة اجتماعية كبرى، حيث أن المسلم يرى أن من واجباته أن يكون فردا صالحا في مجتمعه، يساهم في رقيه ومحاربة منكره ! ومن هنا يكون نبراسا للهدى يضيء للناس في ظلمات الضلال والتيه، ويحمل همومهم ويسعى لإزالتها ولو بكلمة حسنة، أو نصيحة صادقة.
ثم تصور معي أيها الملحد مجتمعا مسلما كل فرد فيه يقوم بهذا الدور الجوهري، أو على الأقل طائفة ظاهرة مسموعة تقوم به، لا شك أنه سيكون مجتمعا فاضلا ممتازا، لكن لا تنظر إلى الأمة في حالتها الراهنة، حيث تتلاطمها الفتن في كل حين، فذلك مرده إلى تفريط الأتباع والانحراف عن النهج القويم، إنما لو تقيدت الأمة بأمر الشرع الحنيف في ذلك لانصلحت الأحوال، وعاشت الرخاء والأمن في مختلف جوانبه، وتأمل معي قول الله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } ( التوبة : 71)
فلو حققنا مصداق هذه الآية، لعشنا في المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة الأوائل، ويسعى إليها الغرب دون طائل . إنا وصفة ربانية تلك التي نصت عليها الآية، جماعها في كلمة واحدة : العقيدة الصافية والتطبيق الفعلي ، فذلك أساس : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس خرقا للحريات الفردية :
نعم أيها الملحد، فالإسلام فرض هذا الفعل من باب حب الخير للبشرية، أن يأتيك المسلم ناصحا ويتدخل في ثنيك عن فعلك بالحسنى، مثله مثل الطبيب الذي يرى المريض صائرا إلى التهلكة، فينصحه بالدواء الفلاني أو التدخل الجراحي، ويتركه حينها يقرر مع نفسه، هل يريد العلاج أم يختار الموت والألم والعذاب ؟
إن الحرية في الإسلام ليست مطلقة، إنما لها حدود وضعها الله تعالى، ولن تجد في العالم أجمع حرية فردية تتعدى حدود القانون، والشريعة عند المسلمين هي قانون الله في أرضه، فلا يجوز بذلك خرقها والتعدي عليه .
أن تكون أيها الملحد غارقا في معصية، فإنك قبل أن تقابل أحد أهل الحسبة تعرف بضميرك، أنك متجه إلى غاية خاطئة، ومفهوم الضمير La conscience، قد أقره علماء النفس، ووصلوا إلى حقيقة إحساس الإنسان بالذنب تكون راجعة لهذا المفهوم -2-.
تصور معي إن كنت في سفينة بها أقوام عديدة، ورأيت فئة من القوم همت تخرقها بقصد أو دون قصد، أفلن تنهاهم عن ذلك ؟ أم ستنظر إليهم وهم يغرقون السفينة حتى تحيطك المياه من كل جانب ؟ ذلك مثل نبوي رائع يلخص لك الأمر، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا) . رواه أبو داود وصححه الألباني .
فالمجتمع أشبه بتلك السفينة، وارتكاب المنكر لا يعود بالضر على مرتكبه فقط بل يعود ضرره على المجتمع بأكمله، والمنكر كالمرض يعدي الناس فإن فشى فيهم ضاعت قيمهم وتخلف جمهورهم عن الحياة القويمة والمنهج السليم.
فما تعانيه البشرية اليوم من تفكك مرده إلى انهيار الأخلاق والابتعاد هن القيم النبيلة كأساس للتعامل مع الأفراد والشعوب، ولا تتفكك الأخلاق إلا حين انعدام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لن ينعكس على المجتمع فقط بل على العلاقات بين الشعوب أيضا، وتكثر الهيمنة، والحروب، والقتل، وتفجع الإنسانية بطغيان أخلاق الشر بينها ! يقول سيد قطب : " تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية، بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها، فهذا عرض للمرض وليس المرض، ولكن إفلاسها في عالم القيم، التي يمكن للحياة الإنسانية أن تنمو في ظلالها نموا سليما وترقى رقيا صحيحا " -3-
أبو عبدالرحمن الإدريسي-إسلام ويب
هوامش المقال
-1- كتاب بلاغ الرسالات القرآنية، ص : 141-142.
-2- راجع كتابات مالبرانش، ودانييل دينيت، و جون بيير شانجو، و أنتونيو داماسيو، وجانك .. وكذا بعض فلاسفة الأنوار كجون جاك روسو ..
-3- سيد قطب، كتاب معالم في الطريق، ص :5.