- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:كتب قرآنية معاصرة
لا تزال جهود أهل العلم تتوالى -وسوف تستمر عطاء من ربك غير مجذوذ- في خدمة كتاب الله عز وجل، ولا غرو في ذلك، فهو أصدق كتاب سعدت به البشرية، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ وذلك أنه تنزيل من رب العالمين، فهو النور المبين، وهو الصراط المستقيم، الموصل لمرضاة رب العالمين.
في هذا الصدد يأتي كتاب (جامع لطائف التفسير) لمؤلفه الشيخ عبد الرحمن بن محمد القماش، الذي بذل جهدا مشكورا في العمل على هذا الجامع، الذي يعد موسوعة تفسيرية، اشتملت على أقوال جهابذة أهل التفسير المتقدمين منهم، والمتأخرين.
مضمون الجامع
ذكر المؤلف في مقدمة كتابه أن كتابه احتوى على "أكثر ما اشتملت عليه أرحام أمهات كتب التفسير من فرائد وروائع وبدائع ولطائف ورقائق، جمعت أبكار الأفكار، وغوامض الأسرار، حقها أن تكتب بسواد العيون على صفحات الخدود، بل إن شئت فقل: حقها أن تكتب بحروف من نور على وجنات الحور". فمضمون الكتاب إذن يشتمل على اللطائف التي ذكرها المفسرون لبعض الآيات، وأدق الدقائق التي احتوتها كتب التفسير من روائع وفرائد من خلال ما يزيد عن أربعين تفسيرا، وما يقرب من مائتي كتاب من مختلف العلوم والفنون الإسلامية، إضافة إلى تفنيده الإسرائيليات والأقوال الشاذة الموجودة في بعض كتب التفسير، والرد على شبهات خصوم القرآن، وغير ذلك.
منهج المؤلف
تحدث المؤلف عن منهجه في الكتاب، فقال: "وقد ضمنته -بفضل الله- أبحاثا قيمة لكثير من العلماء المحققين، ذكرتها كاملة؛ حرصا على المنفعة، وتيسيرا على القارئ، ولم أر بأسا في ذكرها كاملة -وإن طالت- لذا ما رمت اختصارها لأهميتها، فقد يذهب اختصارها بفائدتها وجمالها، كذلك لم أحل القارئ على مراجعها، لصعوبة الحصول على بعضها، ولضعف همم البعض في مواصلة البحث، ومن يطالع كتب السادة الأوائل يجدهم أحالوا القارئ في بعض الموضوعات على كتب قد اندثرت، ولم يبق منها اليوم إلا اسمها".
فمنهج المؤلف -إذن- أن ينقل عبارات المفسرين كما وردت؛ خوفا -كما يقول- من الوقوع في الزلل، ولم يتصرف فيها إلا في القليل النادر، والنادر لا حكم له، مثل حذف أسانيد الأحاديث والأخبار؛ مراعاة للإيجاز، وتيسيرا على القارئ، فإنه أقرب لفهم المراد. وكذلك لم يذكر ترجيح بعض الأقوال على بعض إلا من خلال كلام المفسرين إلا في النادر أيضا. ولم يتعرض للحديث عن جميع آيات القرآن، بل اختار بعضا منها، مما أذن الله فيه لبعض المفسرين بالاطلاع على بعض ما حوته من الحكم والأسرار.
وقد رجع المؤلف في جمع مادة كتابه في أكثر المواضع إلى طائفة كبيرة من كتب التفسير، فإن وجد أحدا منهم انفرد بلطيفة ذكرها، وإن وجدهم متفقين على المراد اكتفى بذكرها عند أحدهم.
ومع أن الكتاب غلب عليه طابع الجمع لأقوال أهل التفسير، وغيرهم من أهل العلم، بيد أنه لم يعدم جانبا من النقد لبعض الأقوال الشاذة والروايات الغريبة التي حوتها كتب التفسير، وذلك من خلال ما وضع من إسرائيليات قد اغتر بها البعض لذكرها في كتب كبار المفسرين، فتوقف المؤلف عندها، ونقل فيها كلام العلماء المحققين؛ لبيان وهنها وضعفها؛ ولعدم الاغترار بها، من ذلك على سبيل المثال، ما ورد في قصة آدم عليه السلام، وما ورد في وصف عصا موسى عليه السلام، وما ورد في قصة هاروت وماروت، وقصص يوسف، وأيوب، وداود، وسليمان صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فقد روت بعض كتب التفسير حول هذه القصص روايات لا سند صحيح لها، ولا يعتد بالأخذ بها، فبين المؤلف وجه الصواب فيها.
وأيضا، فقد تضمنت كتب التفسير بعض الآراء التي قد تضر بالعقيدة، ذكرها بعض المفسرين دون القصد لما قد تؤدى إليه، فسعى المؤلف إلى بيان وجه الحق فيها، من ذلك على سبيل المثال ما ذكره السيوطي في "الدر المنثور" حيث قال: وأخرج الطبري عن الضحاك، قال: كل شيء في القرآن (جعل) فهو (خلق). انتهى كلامه، وهذا المعنى قد ينطبق على بعض الآيات، كقوله تعالى: {وجعل الظلمات والنور} (الأنعام:1) لكن كيف ينطبق هذا المعنى على قوله سبحانه: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} (الزخرف:3) أي: خلقناه قرآنا عربيا، وهذا قول لم يقل به أهل السنة والجماعة، بل هو قول المعتزلة ومن شايعهم.
ومن الأمثلة على نقد المؤلف لأقوال المفسرين ما ذكره عند الكلام عن الاسمين الكريمين: {الرحمن} و{الرحيم} حيث نقل عن القرطبي ما نصه: "وقيل: إن معنى {الرحيم} أي: بالرحيم وصلتهم إلى الله وإلى الرحمن، فـ {الرحيم} نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نعته الله تعالى بذلك، فقال: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة:128) فكأن المعنى: يقول بسم الله الرحمن وبالرحيم، أي: وبمحمد وصلتهم إلي، أي: باتباعه وبما جاء به وصلتهم إلى ثوابي وكرامتي، والنظر إلى وجهي". وقد عقب المؤلف على ما نقله القرطبي بقوله: "هذا الوجه وإن كان معناه صحيحا، إلا أنه بعيد عن ظاهر القرآن الكريم، وفيه تكلف لسنا بحاجة إليه".
ونحو ذلك تعقيبه على ما نقله عن الخازن في تفسيره عند قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة:45)، حيث ذكر هنا أقوالا، منها: "أن يكون الخطاب لبني إسرائيل؛ لأن صرف الخطاب إلى غيرهم يوجب تفكيك نظم القرآن؛ ولأن اليهود لم ينكروا أصل الصلاة والصبر، لكن صلاتهم غير صلاة المؤمنين، فعلى هذا القول: إن الله تعالى لما أمرهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، والتزام شريعته، وترك الرياسة، وحب الجاه والمال، قال لهم: (استعينوا بالصبر) أي: بحبس النفس عن اللذات، وإن ضممتم إلى ذلك (الصلاة) هان عليكم ترك ما أنتم فيه من حب الرياسة والجاه والمال"، وقد عقب المؤلف على ما نقله الخازن بقوله: "لا يخفى ما في هذا الوجه من البعد والتكلف، مع تسليمنا بصدق ما يتضمنه من معان نفيسة".
وحاصل القول: إن المؤلف -نفع الله به- وإن غلب على عمله النقل، فإنه بذل وسعه في تعقب الأقوال التي لا تليق بكتاب الله، ولا يستقيم حمل كلام الله عليها.
بالمقابل، فإن المؤلف إذا وقف على قول حسن، أو رأي سديد، أثنى عليه، وأيده، كما فعل عند قوله تعالى: {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} (البقرة:23) فقد ذكر أن المفسرين اختلفوا في المراد بالآية هنا، فقالت طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع. وقيل: ما أبدوه بدارهم بالسجود لآدم"، والمؤلف رجح الرأي الأول، فقال: "هذا قول وجيه، وقد رجح مثله ابن جرير رحمه الله بقوله: "وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس، وهو أن معنى قوله تعالى: {وأعلم ما تبدون} أي: وأعلم مع علمي غيب السماوات والأرض، وما تظهرونه بألسنتكم، وما كنتم تخفون في أنفسكم، فلا يخفى علي شيء، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم"، فأنت ترى أن الطبري رحمه الله رجح القول بالعموم، وهو الوجه الذي استحسنه المؤلف.
تقويم هذا العمل
القارئ لهذا الجامع، والناظر فيه لا يصعب عليه أن يجد أن المؤلف اعتمد في جمع مادة كتابه على جهود من سبقه من المفسرين، حيث جمع شتات ما قيل في تفسير القرآن من أقوال المفسرين المتقدمين منهم والمتأخرين، وقد ذكر المؤلف نفسه هذا الملحظ في مقدمة كتابه، فقال: و"الفقير مقر بقصر باعه، وقلة بضاعته، وعدم أهليته، ومعترف بأنه مغترف من بحر غيره"، وهو لم ير غضاضة في هذا المسلك؛ وذلك أن له أسوة في المتقدمين الذين سلكوا هذا المسلك.
من جهة أخرى، فإن عنوان الكتاب (جامع لطائف التفسير) يدل على أن موضوع الكتاب جمع اللطائف القرآنية، بيد أن المؤلف لم يقتصر على ذكر اللطائف القرآنية، بل ذكر في كثير من الأحيان أقوال المفسرين في المراد من الآيات التي آتى على ذكرها، ناهيك عن ذكره لبعض الفوائد البلاغية، والوجوه الإعرابية.
على أن مما يؤخذ على المؤلف -على الرغم من جهده المشكور- أنه في بعض الأحيان ينقل أقوالا لبعض المفسرين، يؤولون فيها آيات الصفات بما لا يتفق ومذهب السلف فيها، من غير تعقيب عليها، ما يشعر أنه يتبنى مذهبهم فيها، كما فعل عند قوله تعالى: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها} (البقرة:26)، فقد نقل عن القشيري قوله: "الاستحياء من الله تعالى بمعنى الترك، فإذا وصف نفسه -سبحانه- بأنه يستحي من شيء، فمعناه أنه لا يفعل ذلك، وإذا قيل: لا يستحي فمعناه لا يبالي بفعل ذلك". وهذا التأويل لا يتفق ومذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين؛ إذ إن مذهبهم في هذه الآية ونحوها من آيات الصفات إثبات الصفة كما هي من غير تأويل، ولا تحريف، ولا تعطيل. ومن هنا ينبغي على قارئ هذا الكتاب (الجامع) أن يتنبه لذلك، على الرغم من أن المؤلف نفسه صرح عن موقفه بشكل واضح من آيات الصفات في تفسيره المسمى "جنة المشتاق في تفسير كلام الملك الخلاق" حيث قال: "فالذى ندين لله تعالى به هو ما عليه سلف الأمة رحمهم الله تعالى".
يبقى أن نشير إلى أن المؤلف لم ينته من كتابه بعد، فهو قد أنجز الجزء الثامن والعشرين، ووصل فيه إلى نهاية الجزء الخامس في سورة النساء، والكتاب لم يطبع، وإنما ينشره مؤلفه إلكترونيا عن طريق موقع المكتبة الشاملة.