- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:مختلف الحديث
من المنهي عنه شرعا سفر المرأة دون محرم؛ فقد صحت الأحاديث بذلك؛ لما يمثله المحرم من أهمية بالنسبة للمرأة في حفظها وحمايتها من مخاطر السفر وأعباءه ومشاقه، إضافة إلى توفير حاجات المرأة في سفرها؛ إذ السفر مظنة المشاق والمصاعب، وقد يضعف الرجال الأشداء عن أعبائه ومخاطره فضلا عن المرأة، وتلك بعض حكمة الله في هذا التشريع الوقائي. وبالمقابل، فقد وردت أحاديث تخبر أن المرأة في مستقبل الإسلام تسير من الحيرة إلى مكة فتطوف بالبيت الحرام وهي آمنة على نفسها من اللصوص وقطاع الطرق. فهل يرقى ما ورد في هذا الشأن من الأحاديث إلى معارضة الأحاديث التي تشترط وجود المحرم مع المرأة حال سفرها؟
نستعرض أحاديث الموضوع بداية، ثم نذكر وجه التوفيق بينها.
في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو محرم منها). وفي رواية عند مسلم أيضا: (لا تسافر امرأة، إلا مع ذي محرم). وفي رواية البخاري بزيادة: (يوم وليلة). فهذه الروايات صريحة في نهي المرأة عن السفر دون محرم، ولا مفهوم للعدد هنا في الحديث؛ لأنه وقع في أجوبة سائلين متعددين، وقد نقل ابن بطال عن بعض العلماء قوله: "وأما اختلاف الآثار في يوم وليلة، وفي ثلاثة أيام، وقد روى في يومين، فالمعنى الذي تأتلف عليه هذه الأخبار أنها كلها خرجت على جواب سائلين مختلفين، كأن سائلا سأله -صلى الله عليه وسلم-: هل تسافر المرأة يوما وليلة مع غير ذي محرم؟ فقال: لا، ثم سأله آخر عن مثل ذلك في يومين، فقال: لا، ثم سأله آخر عن مثل ذلك في ثلاث، فقال: لا، فروى عنه -صلى الله عليه وسلم- كل واحد ما سمع، وليس بتعارض ولا نسخ؛ لأن الأصل ألا تسافر المرأة أصلا، ولا تخلو مع غير ذي محرم، لأن الداخلة عليها في الليلة الواحدة كالداخلة عليها في الثلاث، وهى علة المبيت والمغيب على المرأة في ظلمة الليل، واستيلاء النوم على الرفقاء، فيكون الشيطان ثالثهما، فقويت الذريعة وظهرت الخشية".
وأما حديث الظعينة فقد رواه البخاري عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (فإن طالت بك حياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله) قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله. فهل يدل هذا الخبر على جواز سفر المرأة دون محرم؛ استدلالا بقرينة وروده في سياق المدح، ورفع منار الإسلام، فيحمل على الجواز ويعارض به الحديث الأول؟
ذكر الحافظ ابن حجر وغيره أن مجرد الإخبار بالوقوع، لا يستدل به على الجواز ولا الحرمة، بل يطلب حكمهما من دليل آخر، وعليه فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخروج الظعينة من الحيرة -وهي في العراق- حتى تصل إلى المسجد الحرام، فتطوف به، لا يؤخذ منه جواز سفر المرأة دون محرم، ولا حرمة ذلك، بل هو خبر عن حصول الأمن وصلاح الحال، وقد وقع ذلك، ورآه عدي بن حاتم.
وأما القرينة التي ذكرها من استدل بالحديث على جواز سفر المرأة دون محرم إذا أمنت الطريق، وهي أن الحديث ورد في سياق المدح لحصول الأمن وارتفاع منار الإسلام، فمدفوعة بالحديث المحكم الذي نهى عن سفر المرأة دون محرم مطلقا، وكثير من الأخبار التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعها، لا تصلح دليلا على جواز ولا حرمة، كما قرر ذلك ابن دقيق العيد، بل تطلب أدلتها من المحكمات الصريحة.
والمتحصل، أن الأحاديث الواردة في النهي عن سفر المرأة من غير محرم هي على بابها، فلا يجوز للمرأة أن تسافر من غير محرم، أما حديث الظعينة، فهو من باب الإخبار على ما سيؤول إليه أمر الإسلام، ولا دلالة فيه على غير ذلك، فلا يدل على جواز سفر المرأة من غير محرم، وبهذا يجمع بين الأحاديث.