سيف البغي وإخوته

0 1412

البغي معناه طلب الاستعلاء في الأرض بغير حق ، وهو خلق ذميم يجر خلفه جملة أخرى من الأخلاق الذميمة مثل الكذب و الكبر و الظلم و الفساد ، ومن ثم عده العلماء من الكبائر الباطنة ، ومعلوم أنها أعظم من كبائر الجوارح لعظم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه، لذا كان الذم عليها أعظم من الذم على السرقة و شرب الخمر أعاذنا الله وإياكم منها .

و من الشواهد على خطورة البغي ما خاطب الله تعالى به البغاة فى أي مكان كانوا وفى أي زمان وجدوا، قال سبحانه منبها و محذرا: {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} والمعنى: يا أيها الغافلون أما كفاكم بغيا على المستضعفين منكم اغترارا بقوتكم وكبريائكم، إنما بغيكم فى الحقيقة على أنفسكم، لأن عاقبته الوخيمة عائدة إليكم. وفى ذلك إشارة صريحة إلى أن البغي مجزى عليه فى الدنيا والآخرة، والمعنى نفسه جاء صريحا في الحديث الشريف :"ما من ذنب أجدر- أي: أحق وأولى - أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا - مع ما يدخر له في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم".

و السبب في تخصيص هاتين الخصلتين أن فاعلهما ارتكب ما تطابقت الكتب السماوية على النهي عنه. وقد حفظ لنا التاريخ أسماء عدد من أهل البغي الذين عاجلهم الله بعقوبة بغيهم ، منهم على سبيل المثال قارون الذي خسف الله به الأرض ، و كان من صور بغيه تشويه صورة الشرفاء المخلصين الذين يأمرون بالقسط ، فقد ذكرت كتب التفسير : أنه جعل لامرأة من البغايا أجرا على أن تقذف موسى عليه السلام!!.
وقد تكلم الحكماء والبلغاء في وصف عاقبة البغي بجمل بليغة بديعة تصور في الأذهان شقاء المتصف به، كأنها تقول له هذا عدوك فانظر ماذا تصنع، فمن أقوالهم:
من سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها، ومن أوقد نار الفتنة كان وقودا لها، البغي مرتعه وخيم، على الباغي تدور الدوائر ، ما أعطى البغي أحدا شيئا إلا أخذ منه أضعافه، سمين البغي مهزول ووالي الغدر معزول .. وليس البغي في ذلك فريدا وحيدا، بل له إخوة يشتركون معه في تعجيل العقوبة ، فمن إخوته نكث العهد ومنها أيضا المكر و سأكتفي بالإشارة إليه في الكلمات التالية :

المكر هو صرف الغير عما يقصده بنوع من الحيلة، و هو أيضا اسم لكل فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره ، وقد دلت النصوص على سوء عاقبة المتخلق بهذا الخلق الذميم ، منها قوله تعالى { ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم ، وفي تفسير القرطبي أن رجلا قال لابن عباس: إني أجد في التوراة: من حفر لأخيه حفرة وقع فيها؟. فقال له ابن عباس: فإني أوجدك في القرآن ذلك. قال: وأين؟ قال: فاقرأ (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) . ومنها قوله تعالى: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} والأكابر جمع الأكبر ، والمراد بهم: من يقاومون دعوة الإصلاح ويعادون المصلحين من الرسل وورثتهم، خصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد و المكر واستتباع الناس لهم. قال المفسرون : نزلت في مجرمي مكة حين أجلسوا على كل طريق من طرقها أربعة نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، يقولون لكل غاد ورائح: إياك وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب ، كما فعل من قبلهم من الأمم السالفة بأنبيائهم.!!. قلت : وكما يفعله من بعدهم - إلى يومنا هذا - بنفس الطريقة، ولنفس الأسباب ، فما أشبه الليلة بالبارحة إنها سنة جارية . وواضح أن الكبر النفسي - وما اعتاده الأكابر من الخصوصية بين الأتباع - من أسباب تزيين الباطل في نفوسهم، ووقوفهم من الحق والدين موقف العداء.

إن التاريخ يشهد و نصوص الوحي تنطق و الواقع يؤكد أن أهل البغي والمكر –كما يقول العلامة السعدي (المتوفى سنة 1376هـ) في تفسيره - كذبة مزورون، استبان خزيهم، وظهرت فضيحتهم، وتبين قصدهم السيئ، فعاد مكرهم في نحورهم، و رد الله كيدهم في صدورهم. فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين، التي لا تغير ولا تبدل ، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد، أن يحل به نقمته، و تسلب عنه نعمته، فليترقب هؤلاء، ما فعل بأولئك. انتهى كلامه رحمه الله.
اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد فإنك إذا وفقت ألهمت ، ونعوذ بك من الخزي و الخذلان فإنك إذا خذلت أعميت

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة