من دلائل نبوته استجابة دعائه

0 1769

من الدلائل والآيات التي أعطاها الله للنبي صلى الله عليه وسلم إكراما له، وإظهارا لفضله، وتأييدا لدعوته، وهي من دلائل نبوته، سرعة استجابة الله لدعائه، إذا دعاه في عظيم المطالب وما دونها، وقد كان هذا الأمر ظاهرا في سيرته صلى الله عليه وسلم وحياته.. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوات المستجابة ما لا يحصى، مما امتلأت به كتب السيرة النبوية، من هذا القبيل ما رواه البخاري في كتاب الاستسقاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، قال أنس: ولا والله، ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة (قطعة من الغيم) وما بيننا وبين سلع (جبل معروف بالمدينة) من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة -يعني الثانية- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام (جمع أكمة وهي الراعية) والظراب (التلة والجبل المنبسط)، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس). 

قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لهذا الحديث: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا فأنشأ الله سحابة فانتشرت وتوسعت وأمطرت ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعا كاملا. وفي الجمعة الثانية دخل رجل آخر أو الأول فقال: يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها عنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ( اللهم حوالينا ولا علينا)، وجعل يشير إلى النواحي، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت، وتمايز السحاب حتى خرج الناس يمشون في الشمس".

ومن أدعيته المستجابة ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حدثنا عن شأن ساعة العسرة (غزوة تبوك) فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ (حر) شديد، فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع (من شدة العطش)، حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه (بقايا الطعام في معدته) فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! إن الله عودك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا! فقال: أو تحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع رسول الله يديه إلى السماء، فلم يرجعهما حتى قالت السماء (آذنت بمطر) فأظلت ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر) رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني

ومن ذلك أيضا دعاؤه للمدينة المنورة لما هاجر إليها، وكانت من أوبأ أرض الله، كما قالت عائشة رضي الله عنها، فدعا الله لها بالبركة، وأن ينقل حماها إلى الجحفة (قرية بين مكة والمدينة) فكان ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حبا، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) رواه البخاري.

ودعا الله لأم أبي هريرة أن تسلم فقال: (اللهم اهد أم أبي هريرة) رواه مسلم، فلما رجع أبو هريرة رضي الله عنه إلى البيت، أعلنت أمه إسلامها، قال النووي: "وفيه استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور بعين المسؤول، وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم".

ودعا لعبد الله بن عباس رضي الله عنه بالفقه في الدين فقال: (اللهم فقهه في الدين) رواه البخاري، فأصبح أحد علماء الأمة، ولقب بـ (حبر الأمة) و(ترجمان القرآن)، قال عنه الذهبي في ترجمته: "حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير أبو العباس عبد الله بن عباس".

ودعا لأنس بن مالك رضي الله عنه بالمال والولد والبركة، فكان من أكثر الأنصار مالا وولدا، فعن أنس رضي الله عنه، قال: (قالت أم سليم: يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له، فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته) رواه البخاري، فذكر أنه عاش فوق المائة سنة، وكان من أكثر الأنصار مالا، ولم يمت حتى رأى مائة ولد من صلبه، وفي رواية أخرى قال أنس: "فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات، قد رأيت منهن اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة)، قال ابن حجر: "وفيه التحدث بنعم الله تعالى، وبمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم لما في إجابة دعوته من الأمر النادر، وهو اجتماع كثرة المال مع كثرة الولد".

ودعا للسائب بن يزيد رضي الله عنه بالبركة، فبلغ أربعا وتسعين سنة، وهو يتمتع بسمعه وبصره، فعن السائب رضي الله عنه قال: (ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة) رواه البخاري، قال الجعيد: "رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين، جلدا معتدلا، فقال: قد علمت ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ودعا لقبيلة دوس بالهداية فقال: (اللهم اهد دوسا) رواه البخاري، فهداهم الله بعد أن أبوا الإسلام.

ودعا لأم خالد بنت خالد بن سعيد بطول العمر، وهي ما زالت طفلة صغيرة، فعاشت حتى ذكر من طول عمرها، قال الذهبي: "عمرت إلى قريب من عام تسعين".

ومرض علي بن أبي طالب رضي الله عنه فدعا له صلى الله عليه وسلم قائلا: (اللهم عافه، أو اشفه، قال علي: فما اشتكيت ذلك الوجع بعد) رواه أحمد.

ودعا لعروة البارقي رضي الله عنه بالبركة في بيعه وشرائه، فكان كثير الربح، قال ابن حجر: "يدخل في علامات النبوة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعروة فاستجيب له، حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه".

ودعا لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بقوله: (اللهم سدد رميته وأجب دعوته) رواه الحاكم، فكان رضي الله عنه كلما رمى عدوا أصابه، ومتى دعا الله أجابه، وكان الصحابة رضي الله عنهم يرون أن ذلك بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له.

واستأذنه شاب في الزنا، فصرفه عن ذلك برفق وحكمة، ثم دعا له قائلا: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه) رواه أحمد، فلم يكن بعد ذلك هذا الفتى يلتفت إلى شيء، وفي رواية: "فلم يكن شيء أبغض إليه منه -الزنا-).

ودعا الله عز وجل أن يعز الإسلام إما بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام، فقال: (اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، قال: وكان أحبهما إليه عمر) رواه الترمذي وصححه الألباني، فاستجاب الله له وهدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اليوم الثاني لدعائه.. إلى غير ذلك من أنواع الدعوات لمن دعا لهم.

أما بالنسبة للكفار المعاندين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم حيث يكثر أذاهم، وتارة يدعو لهم حيث يؤمن شرهم، ويرجى خيرهم، وقد حصل ذلك في مواقف متعددة.. فإذا دعا صلوات الله وسلامه عليه لأحد أو على أحد فإنك تجد ما دعا به قد تحقق، قال القاضي عياض: "وهذا باب واسع جدا، وإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لجماعة، بما دعا لهم وعليهم، متواتر على الجملة، معلوم ضرورة".

هذا، ولا يمكن لمن اطلع على السيرة النبوية أن يتجاهل الدلائل النبوية والمعجزات الحسية الكثيرة والصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم، والتي شهدها الصحابة الكرام بأعينهم، والتي منها: سرعة استجابة الله لدعائه، ما يجعل المسلم على يقين كامل بأنه صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله، قال ابن تيمية: "ومعلوم أن من عوده الله إجابة دعائه، لا يكون إلا مع صلاحه ودينه، ومن ادعى النبوة، لا يكون إلا من أبر الناس إن كان صادقا، أو من أفجرهم إن كان كاذبا، وإذا عوده الله إجابة دعائه، لم يكن فاجرا، بل برا، وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إلا برا، تعين أن يكون نبيا صادقا"، وهذا الأمر كان معلوما للصحابة رضوان الله عليهم مما رأوه من مواقف كثيرة تشهد على ذلك، ومن ثم قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة تبوك: "يا رسول الله، إن الله عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا". ومواقف إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في حياته كثيرة، وما ذكرناه غيض من فيض.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة