- اسم الكاتب:إسلام ويب
- التصنيف:دراسات قرآنية
قد يبدو مصطلح (التفسير السياسي للقرآن الكريم) غريبا في محيطنا العلمي، لاعتبارات ارتباط المصطلح بمجمل مداخلات واقعية ومنهجية، إلا أنه على وفق شمولية القرآن الكريم وهيمنته يبدو هذا المصطلح واقعيا، بل ضروريا، وواجبا أحيانا، بوصفه يمثل البديل الحضاري والرد العلمي، فقد كانت كتب التفسير توفر رؤية واضحة للأمة في كل مرحلة تتعرض فيها أمتنا لأزمة حضارية -وما أكثر الأزمات التي تعرضت لها أمتنا- ومجابهة لتحديات عالمية -وما أكثر التحديات التي جابهتها الأمة- فقد كان الطبري -شيخ المفسرين- في تفسيره "جامع البيان" يعبر عن واقع الحالة التي يفتقر إليها المجتمع الإسلامي آنذاك، وقد جمع كل ما يستطاع من آثار في تفسير الكتاب المجيد، باعتبار أن الأمة كانت تخوض معتركا هائلا، تمثل في حركة التدوين التي قادها شيخ المفسرين الطبري.
أما الإمام الرازي فقد عاش في مرحلة أخرى تماما، شهدت تحديات أخرى مختلفة، وهي اشتداد الصراع العقلي والفكري بين الأمة الإسلامية والأمم الأخرى بعد حركة الترجمة، وبروز الخط العقلي وشيوع الفلسفة، فكان لا بد للقرآن الكريم أن يقود المعركة، كما هو في كل معركة من معارك الأمة، فكان تفسير "مفاتيح الغيب" تعبيرا حيا ودقيقا لاستبيان أجواء هذه المعركة.
وهكذا ينطبق الحال على تفسير البيضاوي المسمى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" والذي حوى قواعد المنطق وأصول منهج الأشاعرة، الذي كان ينافح عن الأمة في مرحلة خطيرة من مراحل حياتها.
كما كان تفسير ابن تيمية المسمى "دقائق التفسير" وكذلك "التفسير الكبير" عبارة عن إجابات منهجية سريعة عن أسئلة أمة منهوكة بالجراح، مكلومة بالآلام، بعد الغزو المغولي والصليبي لها، وهي تعيش مرحلة الانتقال الخطرة.
وفي مرحلة متأخرة جاء الشوكاني في عصر أغلق فيه باب الاجتهاد، وساد فيه التقليد، واتخذ الناس رؤوسا جهالا، وأضحى كل ذي رأي ومذهب معجبا برأيه ومذهبه، فوضع الشوكاني تفسيره المسمى "فتح القدير".
ثم جاء العصر الحديث بتقلباته، وتحدياته، وإشكالاته، وملابساته كلها، فكان تفسير الشيخ جمال الدين القاسمي "محاسن التأويل" بوصفه الاستجابة العلمية المبكرة للوضع في بلاد الشام.
ثم كان "تفسير المنار" الذي كان نتاج جهود علمية ودعوية واجتهادية لثلاثة من أعمدة الفكر والعلم الإسلامي الحديث: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا.
وفي الحقيقة؛ فإن جهود هؤلاء العمالقة تعد بدايات النهوض الفكري والعلمي، ولا سيما في مجال التفسير السياسي للقرآن، بل في إطار المواجهة الحضارية للأمة ومواجهة ضياع الخلافة؛ فقد دونت في هذا التفسير مسائل لم تكن على جانب كبير من الأهمية في التفاسير التي أشير إليها سابقا، مثل الخلافة، والصراع الحضاري، وأسباب سقوط الحضارات، واستقلالية الأمة منهجيا، وسبق الإسلام في العلم، ونظم الإسلام المختلفة، وذلك ناتج من تجدد تحديات مختلفة أخرى، تختلف عن تحديات الماضي.
ثم أعقب تلك التفاسير تفسير "في ظلال القرآن" لشهيد الإسلام سيد قطب، وهو تفسير كتب ليعالج مرحلة عصيبة من مراحل الأمة، حيث أخذت الأنظمة الاستبدادية، والتي تحكم بغير ما أنزل الله، تصول وتجول، وتعيث في الأرض فسادا وإفسادا، فكان هذا التفسير لسان حال الأمة في مواجهة تلك الأنظمة والوقوف في وجهها، والعمل على إعادة الأمور إلى نصابها.
وإذا كان كتاب الله تعالى قد قال قولته في أوجه الصراع الحضاري كلها، وفي مختلف المراحل، فما بال البعض يريد تحجيم الكتاب العزيز في أن يقول قولته وكلمته في السياسة الشرعية، التي لا نشك في أن القرآن جاء ليكون أمة لها منهج ومشروع وحضارة، وجاء ليؤسس نظما محددة، تقود المجتمع نحو الخير، وتحقق له الرخاء والنجاح.
مراجع التفسير السياسي للقرآن الكريم
عندما ندقق في مرجعيات التفسير السياسي للقرآن الكريم، فإننا نحتاج إلى دراسات موسعة ومعمقة، تقوم على عملية بحث واستقصاء موضوعي لآيات القرآن الكريم، وعودة شاملة لأقوال المفسرين فيها، يضاف إليها الأبحاث، والرسائل والدراسات، التي كتبت في هذا المضمار، ومن المراجع الأساسية في هذا الموضوع يشار إلى التفاسير التالية:
1- الأساس في التفسير سعيد حوى.
2- في ظلال القرآن سيد قطب.
3- تفسير المنار رشيد رضا.
4- محاسن التأويل جمال الدين القاسمي.
5- المصادر التي سبق ذكرها لا شك أنها معين ثر للتفسير السياسي للقرآن الكريم.
6- بعض المؤلفات التي تتحدث عن الفقه السياسي الإسلامي من خلال القرآن الكريم، وأهمها: أصول الفكر السياسي في القرآن الكريم للدكتور التيجاني عبد القادر أحمد، الفكر السياسي في القرآن المكي.
7- الرسائل الجامعية التي تناولت موضوع الفقه السياسي من خلال القرآن الكريم.
هذا، وإن من يضطلع بمهمة التفسير السياسي للقرآن الكريم ينبغي له أن يتحلى بمواصفات وخصائص إضافية على ما يحفل به من العلم والمعرفة، ونقصد بالمواصفات (الإضافية) في هذا السياق المعرفة بالواقع المعيش، وحجم المؤثرات فيه.
إن مصادر التفسير جميعها -قديمها وحديثها، وعلى اختلاف طرقها ومناهجها- لا يمكن التفريط بها في أي عملية بحثية، وما ذكر هنا من مصادر ومراجع إنما هو على سبيل الإجمال، لا الحصر.
إن الذي نرمي إليه هو الإفادة من القوة الهائلة والسنن الكبرى في القرآن الكريم في خوض معركة الأمة الحضارية، ولا سبيل أنجع وأقوى في حسم معارك الأمة جميعها؛ ومنها معركة الأمة السياسية كسبيل القرآن الكريم.
* مادة هذا المقال مستفادة من كتاب "الفقه السياسي الإسلامي" لمؤلفه خالد الفهداوي.