من خصائص القرآن في بناء الحياة

0 1116

نعم إنه القرآن: باني الحياة الطيبة العامرة ودواء اعوجاج الأفهام الخائرة الجائرة

- إن القرآن العظيم هو الرسالة التي أنزلها الله لسعادة العالمين، وقيادة الإنسانية نحو الهدى والحق والخير وإرشاد الحائرين، وإنقاذ البشرية من الشقاء والظلم والعبث الفردي والدولي الذي ملأ مجتمعاتها بالضيق والشقاء والكدر والعذاب الأليم {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم} [النساء:26].

- القرآن هو حبل الله الممدود؛ لإغاثة الإنسان المتعب الجريح المكدود، ليعصمه من الضلال الفكري، والهلاك المعيشي والاقتصادي والحياتي، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه ابن حبان عن أبي شريح الخزاعي -رضي الله عنه-: (فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدا)، ولذا قال ابن القيم: "وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالكتاب المبين الفارق بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشك واليقين، أنزله لنقرأه تدبرا، ونتأمله تبصرا، ونسعد به تذكرا، ونحمله على أحسن وجوهه ومعانيه، ونصدق به، ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه".

- القرآن هو أصل التصورات الرشيدة، وأساس المناهج الفكرية العملية المؤسسة للحياة السعيدة، وأساس الحضارات والبناءات المجيدة، فهو البيان الدستوري الأعظم، يجد فيه المفكرون والمثقفون ما يعصمهم من التيه والفتن والضلالات الفكرية والعقلية والحياتية، ويتمتع البشر أجمعون به بألذ نعيم {يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} [النساء:176].

- القرآن الكريم هو المرجع الأكبر في الآراء والأفكار والنظم والسياسيات، والأساس في الصحيح من الأبحاث والدراسات فـــ"هو الصراط المستقيم الذي لاتميل به الآراء، والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء، والنزل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء".

- القرآن العظيم هو المقياس الحقيقي لصدق الأقوال والأعمال، والأفكار والمشاريع الفردية والجماعية، وهو المعيار المهيمن الدال على مدى الثقة بمناهج البشر وتجاربهم الإنسانية، وهيمنته لا يستطيعها الكتاب، ولا المجامع العلمية الرفيعة الأبواب {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} [المائدة:48]، فهو الشاهد للبشرية إن جعلته قائدا لها، أو الشاهد عليها إن نبذته تعاليمه ونظمه خلف ظهرها، كما ذكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما-فيما رواه ابن حبان- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (القرآن شافع مشفع وماحل مصدق. من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار).

- القرآن الكريم يأخذ البشر الموفقون من مجده مجدهم {ق والقرآن المجيد} [ق:1]، { بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ} [البروج:21-22]. ومن عزه عزهم {وإنه لكتاب عزيز} [فصلت:41]. ومن بركته وخيره المتطاول الكثير خيراتهم {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص:29].

- وفيه يجدون الشرف والمكانة عند الأفراد والنظم والدول والجماعات، كما قال راحم الأرض والسموات: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} [الزخرف:44]، {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون} [الأنبياء:10]، والذكر يتضمن معنيين: التذكير، ورفعة الشأن والقدر والمكانة، ولذا روى مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقى عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة، فقال من استعملت على أهل الوادى فقال ابن أبزى. قال ومن ابن أبزى قال مولى من موالينا. قال فاستخلفت عليهم مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين).

- بالقرآن يجد كل تائه حيران في هذا العالم سبل السلام، ويتحقق للفرد والمجتمعات السلم الاجتماعي، ويتذوقون بتطبيقه معنى المحبة وترك العداوة والاختصام، ويرشدون إلى العيش في نعيم دنيوي مقيم {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة:15-16].

- القرآن هو مصدر الشفاء، وهو النور في الظلماء {ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس:57].

- القرآن مصدر لزيادة الإيمان وعلاج للقلب المريض، وإيقاظ للغافل الوسنان {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة:124-125]، ونلاحظ هنا أمرين:

الأمر الأول: أن كلمة (مرض) نكرة، والمرض يتصور وجوده عند المسلمين كما هو موجود عند غيرهم، والمرض قد يقل أو يكثر، وقد يصغر أو يكبر، وقد يضعف أو يشتد، وذلك باختلاف أحوال الناس، والتعبير بكلمة (مرض) يدل على وجوب السعي في علاجه، كما يسعى الإنسان في علاج الأمراض الحسية، ولو استدعى الأمر أن يبذل في علاج المرض القلبي الروحي ما يبذله في علاج المرض الحسي المادي.

الأمر الثاني: كلمة (رجس) تنفر الإنسان من وجودها عند صاحبها؛ لأن الكلمة تدل على النجاسة والقذارة، فمن من الناس يقبل أن يكون ثوبه متسخا، فضلا عن أن تكون النجاسة جزءا من جسده الظاهر والباطن، والمقصود أن من لم ينتفع بالقرآن ينبغي أن يتهم نفسه، ويطهرها من الأوساخ والأدران.

- بالقرآن قبل السنان يكون الجهاد الكبير أمام الزيف والتزوير، الذي يغزو العالم منذ ما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى موجها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في مكة: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} [الفرقان:52].

- يبحث التائهون عن الحقوق، وقد تركوا أعظم كتاب قرر الحق لكل ذي حق، ووضع القسط في كل صغيرة وكبيرة، وجرم الظلم والاحتكار والعقوق.. فأين عنه يذهبون إلا لأبشع الظلم وأعماه {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء:105].

- يقيم اللاعبون الدوليون مؤسسات حقوق الإنسان، ويتفرجون على الدماء تهراق في كل مكان، ويستمع بعضهم -وفق قلوب قاسية، فاقت قسوتها الحجر- على المسجونين المعذبين، الذين تكاد صرخاتهم تشق الآذان، ويشاهد قساة القلوب الأطفال الجوعى والمشردين، وما كانت هذه القسوة لولا أنهم اتبعوا أهواءهم، ونبذوا وراءهم ظهريا بيان القوى المتين {أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين} [المؤمنون:68].

- القرآن أجمل كلام وأعظم بيان، أنزله الله ليلهم القوانين الدولية، والدساتير الأممية كيف تفصل مقرراتها، وتبني العدل في موادها، وكيف تقيم المبادئ الحقوقية، والمواثيق الاجتماعية، والنظم السياسية في مؤسساتها، بل في أفكارها، ولذا قال الشافعي رحمه الله تعالى: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. قال الله تبارك وتعالى: { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} [إبراهيم:1]، وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل:44]، وقال: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} [النحل:89]".

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يقوم ضده المتعصبون؟ ولماذا يصدق بعض البشر وساوس شياطين الإنس والجن حوله، فمرة عنه يعرضون، ومرة يحشدون جيوشهم الثقافية ومؤسساتهم الإعلامية؛ للغو فيه، وللخلق عنه يبعدون؟ ولماذا يغفل أو يتغافل عن تطبيقه المسلمون؟ أما يكفيهم ما أصابهم ببعدهم عن كتاب الله من ذل { إنه لقول فصل * وما هو بالهزل} [الطارق:13-14] وفي ذلك يقول ابن القيم مبينا سبب الشقاء الذي حل بالفرد والجماعات والدول والمجتمعات: "حرموا والله الوصول بعدولهم عن منهج الوحي وتضييعهم الأصول".

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة